الله أشهر. وكان فقيها فاضلا، وهو أحد الفقهاء السبعة. قال عمر بن العزيز: ما أحد أعلم من عروة بن الزبير. وقال ابن شهاب: عروة بحر لا تكدَّرُه الدَّلاء. وكان من الزهَّاد في الدنيا، الراغبين في الآخرة، العالمين بالكتاب والسُّنَّة. تمنىَّ على الله خير أُمنية بصدق نية، فأنعم عليه بما يتمنى، وسهَّل له مطلوبّهُ وسَنَّى.
ذُكر أنه اجتمع عبد الله بن الزبير وعُروة ومُصعب أخواه وعبد الملك بن مروان يوما بمكة في حِجْر إسماعيل عليه السلام. فقال بعضهُم: هلمَّ فَلنْتمنَّ على الله، فإن هذا موضع استجابة للدُّعاء. فقال عبد الله بن الزبير: أتمنَّى أن أملك الحرمين، وأُسمَّى أمير المؤمنين. وقال مصعب بن الزبير: اتمنَّى أن أَلِيَ العراقين، وأن أنكح عائشة بنت طلحة وسُكينة بنت الحسين. وقال عبد الملك بن مروان: أتمنى أن أملك الأرض كلَّها. وقال عروة بن الزبير: لستُ ممَّا أنتم في شيء؛ أتمنى الزُّهد في الدنيا والجنة في الآخرة، وأن أكون مِمَّن يُروى عنه هذا العلمُ. فبلغ كلُّ واحد منهم أُمنيَّتَهُ؛ فكان عبد الملك بن مروان يقول: من سَّرهُ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير.
وأصابت عُروة الأكِلةُ في رجله، وهو بالشام عند الوليد بن عبد الملك فقُطعت رجله والوليد حاضر فلم يتحرَّك، ولم يشعر الوليد أنها تُقطع حتى كُويَتْ، فوجدوا رائحة الكيِّ، وبقي بعد ذلك ثماني سنين. ولما قُطعت رجله ووُضعت بين يديه قال: الحمد لله الذي أخذ مني واحدة، وأبقى لي ثلاثا، يعني رجله الأخرى ويديه. ولم يدع وِردَةُ تلك الليلة. وقال أيضا:
لعَمرُك ما أهويتُ كفي لريبَةٍ ... ولا حَملتْني نحوَ فاحشةٍ رِجْلي
ولا قادني سمعي ولا بَصري لها ... ولا دلَّني دِيني عليها ولا عقلي
وأَعلمُ أني لم تُصبْني مُصيبةٌ ... منَ الدهر إلا قد أصابت فتىً قبلي
وولد عُروة سنة ست وعشرين ومات سنة أربع وتسعين، قاله مصعب بن