«قال مصعب الزبيري: سمعت مالك بن أنس يقول: أدركت أهل هذا البلد - يعني المدينة -، وهم يكرهون المناظرة والجدال إلا فيما تحته عمل. يريد مالك - رحمه الله - الأحكام في الصلاة، والزكاة، والطهارة، والصيام، والبيوع ونحو ذلك؛ ولا يجوز عنده الجدال فيما تعتقده الأفئدة مما لا عمل تحته أكثر من الاعتقاد، وفي مثل هذا خاصة نهى السلف عن الجدال، وتناظروا في الفقه، وتقايسوا فيه؛ - قال ابن عبد البر -: وقد أوضحنا هذا المعنى في كتاب بيان العلم، فمن أراده تأمله هناك - وبالله التوفيق -».
٥ - قال القاضي عياض، «قال أبو طالب المكي: كان مالك رحمه اللَّه أبعد الناس من مذاهب المتكلمين، وأشد نقضاً للعراقيين. ثم قال القاضي عياض: قال سفيان بن عيينة: سأل رجل مالكاً فقال: «الرحمن على العرش استوى» كيف استوى؟ فسكت مالك حتى علاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإني لأظنك ضالاً. أخرجوه. فناداه الرجل:«يا أبا عبد اللَّه، واللَّه لقد سألت عنها أهل البصرة والكوفة والعراق، فلم أجد أحداً وُفق لما وُفقت له».
و «قال سليم بن منصور بن عمار، قال: كتب بشر المريسي إلى أبي - رحمه الله -: أخبرني عن القرآن، أخالق أم مخلوق؟ فكتب إليه أبي: بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياك من كل فتنة، وجعلنا وإياك من أهل السنة، وممن لا يرغب بدينه عن الجماعة؛ فإنه إن يفعل، فأولى بها نعمة؛ وإلا يفعل، فهي الهلكة؛ وليس لأحد على الله بعد المرسلين حجة، ونحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة تشارك فيها السائل والمجيب، تعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه؛ ولا أعلم خالقاً إلا الله، والقرآن كلام الله، فانته أنت والمختلفون فيه إلى ما سماه الله به، تكن من المهتدين، ولا تسم القرآن باسم