[أبو جعفر المنصور يطلب الموطأ للاطلاع]
لكن هناك نصوصاً أخرى تعارض النصوص السابقة، لأنها تدل على أن الكتاب كان قد تم تأليفه قبل اللقاء بأبي جعفر المنصور.
١ - قال ابن عساكر: «أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد الشحامي، قال: أنبا أبو حامد أحمد بن الحسن العدل، قال أنبا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي، قال: أنبا أبو بكر الإسفرايني، ثنا أبو بكر محمد بن محمد قال: حدثني أبو موسى الأنصاري
قال: سمعت معن بن عيسى يقول، سمعت مالك بن أنس يقول:
أرسل إليّ أمير المؤمنين أبو جعفر يريد الموطأ فأتيته به، فنظر فيه، وقال: هذا الحق، وأراد أن يكتب، ويبعث به إلى الآفاق فيحمل الناس عليه».
وهناك رواية أخرى عن طريق الواقدي تؤيد رواية معن بن عيسى.
٢ - روى ابن عبد البر من طريق الحارث بن أبي أسامة، عن محمد بن سعد عن الواقدي قال: سمعت مالك بن أنس يقول:
«لما حج أبو جعفر المنصور، دعاني فدخلت عليه، فحادثته وسألني فأجبته، فقال: إني عزمت أن آمر بكتبك هذه التي قد وضعت يعني الموطأ فتنسخ نسخاً، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها، ولا يتعدوها إلى غيرها، ويدعوا ما سوى ذلك من هذا العلم المُحْدَث فإني رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم.
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين! لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سيق إليهم، وعملوا به ودانوا به، من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وأن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم.
فقال: لَعَمْري لو طاوعتني على ذلك لأمرت به».
وروى ابن عساكر هذه الرواية عن طريق الحارث بن أبي أسامة مثله.
وهناك رواية أخرى أوردها ابن أبي حاتم الرازي، قال: حدثني أبي، ثنا أبو يوسف محمد بن أحمد بن الحجاج الصيدناني الرقي، حدثنا أبو خليف - يعني عتبة بن حماد القارئ الدمشقي، عن مالك بن أنس قال: قال لي أبو جعفر - يعني عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يوماً: ما على ظهرها أحد أعلم منك؟
قلت: بلى.
قال: فسمهم لي.
قلت: لا أحفظ أسماءهم.
قال: قد طلبت هذا الشأن في زمن بني أمية، فقد عرفته، أما أهل العراق فأهل كذب وباطل وزور. وأما الشام فأهل جهاد، وليس عندهم كبير علم.
وأما أهل الحجاز ففيهم بقية علم وأنت عالم الحجاز، فلا تردنَّ على أمير المؤمنين قوله.
قال مالك ثم قال لي:
قد أردت أن أجعل هذا العلم علماً واحداً فأكتب به إلى أمراء الأجناد، وإلى القضاة فيعملون به، فمن خالف ضربت عنقه.
فقلت له: يا أمير المؤمنين أو غير ذلك.
قلتُ: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في هذه الأمة، وكان يبعث السرايا، وكان يخرج،