لقد درس كلدر فصلاً واحداً من كتاب المدونة من جملة ثلاثة آلاف فصل على وجه التقريب، ثم يريد أن يعمم نتيجته الخيالية التي توصل إليها على كافة الإنتاج الفكري للمسلمين لمدى ثلاثة قرون.
وهذا التعميم باطل؛ لأن هناك فرقاً كبيراً بين أسلوب الكتب الفقهية المدرسية وبين كتب الأحاديث والآثار.
فإذا نظرنا - مثلاً - إلى كتابات: محمد الشيباني، كالموطأ، وكتاب: الآثار والردّ على أهل المدينة، فإننا نجد أنه يذكر في هذه الكتب أحاديث كثيرة، بينما إذا نظرنا إلى كتابه: الجامع الكبير فقد لا نجد حديثاً واحداً.
وهذه القضية من الأهمية بمكان؛ فعندما يبحث شخص في موضوع ما فإن عليه أن يختار المادة المناسبة للبحث ليحسن الحكم عليها، كمن يؤلف في قانون العقوبات أو تاريخ العقوبات، لا يأخذ مادته من كتب القصص البوليسية، وهذا العنصر الأساسي في منهج البحث مفقود عند كلدر تماماً.
ولا يكون المرء مغالياً إذا قال: إن هدفه ليس بحثاً ولكن لديه نتيجة مسبقة يريد أن يصل إليها بأية طريقة كانت، لأنه في خلال أربعين صفحة من الكتابة على المدونة أولاً، ثم على الموطأ ثانياً أكد على الأقل عشرين مرة بأن هذين الكتابين ليسا من الكتب المؤلفة من قبل الأشخاص المعنيين، ولكنهما كتابان ينتميان إلى المدرسة الفقهية، وعلى هذا فهما تراث للمدرسة الفقهية، ولذلك كان من حق كل جيل أن يضيف فيها ما رأى وما شاء بدون ذكر الاسم لأنه عمل جماعي، وقد قام به المجتمع المالكي.
المؤلف أو الباحث يصل إلى النتيجة عادة بعد البحث ويذكر خلاصة بحثه إما في المقدمة، أو في نهاية البحث، ولكن الأستاذ كلدر يبشر بنتائج بحثه باستمرار، أحياناً مرتين في صفحة واحدة، فالذي يرمي إليه الباحث هو إدخال فكرته في ذهن القراء بأية طريقة كانت، أما إثبات النتيجة نفسها فليس بمهم.