لقد مر بنا من قبل وصف مجلس مالك، وتبين أن القراءة ما كانت تتجاوز الصفحتين أو الثلاث.
«قال مصعب الزبيري: كان حبيب يقرأ على مالك، وأنا على يمينه، وأخي عن شماله وهو أقرب إلى مالك، وكان أسنّ مني، وكان حبيب يقرأ لنا عشية من ورقتين إلى ورقتين ونصف، ولا يبلغ ثلاثاً، والناس ناحية، لا يدنون ولا ينظرون، فإذا خرجنا جاء الناس فعارضوا كتبهم بكتبنا. قال: وجئنا يوماً إلى أبينا بالعرصة لنقيم عنده ونسير بالعشي إلى مالك فأصابتنا سماء يوماً فلم نأته تلك العشية ولم ينتظرنا، وعرض عليه الناس، فأتيناه بالغد، فقلنا له: يا أبا عبد الله أصابتنا أمس سماء ثقلتنا (كذا) عن حضور العرض فاردد علينا.
قال: لا. من طلب هذا الأمر صبر عليه».
كلام مصعب الزبيري وهو من تلامذة مالك يصف قراءة حبيب بن أبي حبيب بأنها ما كانت تتجاوز ورقتين إلى ثلاث. والكتب كانت موجودة حتى عند مصعب الزبيري، فكان الناس يأتون بعد القراءة، فيعارضون كتبهم بكتبنا.
والإمام عبد الرحمن بن مهدي معه كتابه، فيقول: أما كتاب الصلاة فأنا قرأته على مالك، و «سائر الكتب قرئت على مالك وأنا أنظر في كتابي».
إذن كان الناس أو على الأقل بعض الناس يحضرون كتبهم ويعارضون وقت التدريس، والإمام مالك يحفظ كتابه، فإذا وقع الخلل والخطأ كان يصحح، وهذا قلما كان يحصل.
إذن من المحتمل أن حبيباً قلب الصفحة في يوم ما، والتزقت بها ورقة أخرى فقلب ورقتين في آن واحد. وبالتالي سجلت عليه هذه الحادثة، ثم تطورت فأصبحت كأن هكذا كان ديدنه. وإن كان الأمر كذلك فيصبح الإمام