على كل هذه الروايات المتعددة الصحيحة والحسنة - كما رأينا - تقضي على القول بأن مالكاً ألف الموطأ بطلب من الخليفة، بل اطلع الخليفة أبو جعفر المنصور على كتاب الموطأ في إحدى حجاته.
وقد حج المنصور أربع حجج، في ١٤٠ هـ، ١٤٤ هـ ١٤٧ هـ، ١٥٢ هـ.
فمتى تمت المحادثة إذن بين المنصور والإمام مالك؟ ومتى اطلع على الموطأ، ومتى أبدى رغبته في تعميمه على أهل الأمصار؟ إنني شخصياً أرجح أنه كان في حجه الثاني سنة ١٤٤ هـ، عندما استقر المنصور في الحكم، لأنه قد بويع له في سنة ١٤٠ هـ، وقد لا يكون صافي الذهن للبحث في الأمور الفقهية حينذاك لأنه كان حديث عهد بالحكم. وسأتحدث عن هذا الموضوع بعد قليل بشيء من التفصيل.
على كل بقي السؤال في محله، إن لم يؤلف الموطأ بناءً على طلب من المهدي، ولا أبي جعفر المنصور، فما هو الدافع لتأليف هذا الكتاب؟
[الدافع الشخصي لتأليف الموطأ]
قال القاضي عياض: جاء في رواية أن أول من عمل الموطأ عبد العزيز بن الماجشون، عمله كلاماً بغير حديث، فلما رآه مالك قال: ما أحسن ما عمل. ولو كنت أنا لبدأت بالآثار، ثم شددت ذلك بالكلام، ثم عزم على تصنيف الموطأ.
وقد وجدت بفضل الله عدة أوراق من كتاب ابن الماجشون عنوانها:
«كتب ابن الماجشون في الفقه: كتاب البيوع، وكتاب الطلاق» ثمانية أوراق.