وقد وجدت ورقة في المخطوطات البردية بجامعة شيكاغو وهي عبارة عن عدة أحاديث من الموطأ، نسخه طالب مغربي، وقرئ على عبد الرحيم لأنه يقول: حدثنا عبد الرحيم بن خالد، وقد قُدِّرت الورقة البردية بأنها من القرن الثاني.
إذن فقد وصل الموطأ إلى الإسكندرية وقام صاحبه بالتدريس وتوفي سنة ١٦٣ هـ، وهذا يتطلب مدة كافية لتأليف الكتاب قبل سنة ١٦٣ هـ لأن صاحب النسخة لا بد أنه درس على الإمام مالك الكتاب بكامله، وما كانت تتم دراسة الموطأ في يوم وليلة، بل كان الناس يأخذون في ذلك سنوات عديدة، وبعد إتمام القراءة سافر، ثم قام بالتدريس، ورحلته على الأغلب تمت قبل سنة ١٤٤ هـ لأنه قابل في هذه الرحلة عقيل بن خالد الأيلي وابن جريج المتوفى سنة ١٥٠ هـ والإمام مالكاً.
وعلى ضوء ما ذكرت مما سبق فإنني أميل بل أجزم على أن أول إصدار للموطأ كان في بداية الأربعينيات. والله أعلم.
وكان الكتاب مشهوراً ومعروفاً في حياة الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ولا يهمنا أن نعرف هل اطلع الإمام أبو حنيفة على الموطأ أو لم يطلع عليه، استفاد منه أو لم يستفد منه، لأنه لو استفاد أبو حنيفة من كتاب مالك فإن ذلك لا يزيد مالكاً درجة، لأنه من تلاميذه أمثال الشافعي وابن المبارك ومحمد بن الحسن الشيباني ومئات آخرون.
وإن استفاد أبو حنيفة من كتاب مالك فهذا لا يقلل من شأنه، لأن العلماء دوماً يستفيد بعضهم من بعض. وقد روى أبو حنيفة عن أناس لا يعدون شيئاً في جنب مالك رضي الله عنهم أجمعين.
رحم الله أبا حنيفة كان إماماً، ورحم الله الأوزاعي كان إماماً، ورحم الله مالكاً كان إماماً، ورحم الله الشافعي كان إماماً، ورحم الله ابن حنبل كان إماماً، اللهم ارحمهم جميعاً، وارحمنا معهم بلطفك وكرمك يا أكرم الأكرمين اللهم آمين.