مما لا شك فيه أن في الأرقام المذكورة مبالغة كبيرة، سببه تفكير بعض العلماء كيف يكون الإمام مالكٌ إماماً وحصيلةُ الحديث في كتابه زهاء سبعمائة حديث، وبالمراسيل والبلاغات ما يقارب الألف.
وقد قال ابن المديني:«لمالك نحو ألف حديث، يعني مرفوعة».
والجواب المحكم للاستغراب عن قلة أحاديث مالك يكمن في النصوص الآتية:
قال الشافعي وذكر الأحكام والسنن، فقال:«العلم - يعني الحديث - يدور على ثلاثة؛ مالك بن أنس وسفيان بن عيينة والليث بن سعد» وذكر الشافعي أحاديث الأحكام فقال: «تدور على أربعمائة ونيف أو خمسمائة».
وقال البويطي: سمعت الشافعي يقول: «أصول الأحكام نيّف وخمسمائة حديث، كلها عند مالك إلا ثلاثين حديثاً، وكلها عند ابن عيينة إلا ستة أحاديث».
وقال ابن القيم:«أصول الأحكام التي تدور عليها نحو خمسمائة حديث، وفرشها وتفاصيلها نحو أربعة آلاف حديث».
فبراعة الإمام مالك هو في انتقائِهِ للأحاديث القليلة التي هي مدار أحاديث الأحكام.
وقد أشار إلى هذا الشيخ ولي الله الدهلوي فقال: «ومن تتبع مذاهبهم، ورزق الإنصاف من نفسه علم لا محالة أن الموطأ عُدة مذهب مالك وأساسه، وعمدة المذهب الشافعي وأحمد ورأسه، ومصباح مذهب أبي حنيفة ونبراسه، وهذه المذاهب بالنسبة للموطأ كالشروح للمتون، وهو منها بمنزلة الدوحة من الغصون، وإن الناس وإن كانوا من فتاوى مالك في رد وتسليم وتنكيت وتقويم فما صفا لهم المشرب، ولا تأتى لهم المذهب إلا بما سعى في ترتيبه واجتهد في تهذيبه. قال الشافعي لذلك: ليس أحد أمنّ عليَّ في دين الله من مالك.