{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}[آل عمران: ١١٠]، زد على ذلك من واجب العلماء ترشيد العامة، والخاصة إلى ما هو الحق والصواب، وفي سبيل أداء هذا الواجب لقي خيار الأمة ما لقوا من الامتحان، وقد مر بذلك الإمام مالك رحمه الله أيضاً.
فقد جُرد مالك رحمه الله من ثيابه، وضرب بالسياط، وجبذت يده حتى انخلعت من كتفه، وكان ذلك سنة ست وأربعين ومائة. وكان من أثر ذلك أنه كان يضطر أن يحمل إحدى يديه بالأخرى.
قال إبراهيم بن حماد الزهري: رأيت مالكاً يحمل إحدى يديه بالأخرى.
واختلف العلماء في سبب هذه المحنة، فذكر الطبري أن أبا جعفر نهى مالكاً عن الحديث:
«ليس على مستكره طلاق». ثم دسّ إليه من يسأله، فحدثه به على رؤوس الناس، فضرب لأجل ذلك.
وذكر الواقدي سبباً آخر، وهو شديد الصلة بالسبب الأول.
قال الواقدي:«لما دعي مالك، وشوور، وسمع منه وقُبل قوله حُسد وبغوه بكل شيء، فلما ولي جعفر بن سليمان المدينة سعوا به إليه وكثروا عليه عنده، وقالوا: لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الأحنف في طلاق المكره: أنه لا يجوز عنده.
قال: فغضب جعفر، فدعا بمالك، فاحتج عليه بما رُفع إليه عنه، فأمر بتجريده، وضربه بالسياط، وجبذت يده حتى انخلعت من كتفه، وارتكب منه أمر عظيم، فوالله ما زال مالك بعد في رفعة وعلو».