للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنَّ كُتُبَ التاريخ كتبت بعد بني أمية فشوَّهتْ سيرتهم (١) ومع هذا لم يعدم التاريخ الرجال الأمناء المُخلصين، الذين دَوَّنُوا حوادثه بأسانيدها حتى يَتَبَيَّنَ المُطَّلِعُ الصحيحَ من الباطلِ، فليس كل خبر في كتاب يقبل ويؤخذ به، فلا بد من دراسته دراسة علميَّةٍ حسب منهج المُحَدِّثِينَ الدقيق - سنداً ومتناً.

ثم إنا نستبعد صحة هذا الخبر، فإنَّ عُروة ولد سنة (٢٢ هـ) فكان عمره في فتنة عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (١٣ سَنَةً)، وعندما استشهد أمير المؤمنين عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (١٨ سَنَةً)، فمن يتصوَّرْ خليفة كمعاوية يحمل عروة بن الزبير ليضع أحاديث تطعن في عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -؟ ثم إنَّ عُروة نفسه كان يافعاً على عَتَبَةِ العلم لم يشتهر بعد. فكان أحرى بمعاوية - لو صَحَّ الخبر - أنْ يُغري من هو أشهر منه وأعلم من كبار الصحابة والتابعين.

وإن قال قائل إنما استعان به أيام خلافته بعد استشهاد الخليفة الراشد الرابع، فالجواب بَدَهِيٌّ في أنَّ عروة كان حين وفاة معاوية ابن (٣٨) ثمان وثلاثين سَنَةً، فَلِمَ يستفيد منه؟ وفي الأُمَّة كبار الصحابة والتابعين. أيفيد منه ليضع له الحديث كما زعم الكاتب؟ إنَّ كلمة المسلمين اجتمعت سَنَةَ (٤٠) عام الجماعة حين بايع الحسن معاوية بالخلافة وثبتت دعائم الحكم، فلم تبق أية ضرورة للدعاية للأمويِّين وهم الحكام وبيدهم الزمام. ولو سلَّمنا جدلاً أنَّ عروة قد قام بما ادَّعاهُ المؤلف!! فهل يسكت عنه علماء الأُمَّة أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وبينهم الأبطال الشُجعان وفيهم الأقوياء الأفذاذ؟ لقد كانت الأُمَّةُ الإسلامية واعية في ذلك العصر، عرف أبناؤها الحوادث جميعها وعاصروها واختبروها فلم تعد تخفى دقائقها على أحد، وعرف المسلمون قادتهم من صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يكن من السهل أنْ يُغيِّرَ وجه الحق بعضُ الصحابة والتابعين - كما زعم المؤلف - لإرضاء الخليفة وإشباع ميوله ورغباته. وإنَّ من يحاول إثبات صِحَّةَ هذا الخبر لَيَتَجَنَّى على الأُمَّة جميعها، ويجعل من عاصر


(١) " العواصم من القواصم ": ص ١٧٧.

<<  <   >  >>