للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلك الحوادث بُلْهاً مُغَفَّلِينَ، يعمي عليهم الحق بالدعايات الكاذبة والأخبار الموضوعة، والواقع يثبت خلاف ذلك، ويثبت وضع الخبر وعدم صِحَّتِهِ.

أما الخبر الثاني وهو قدوم أبي هريرة العراق، فإن رواية الإسكافي وقد عرفناه وعرفنا منزلة أخباره، ولو سلَّمنا - جدلاً - بصحة هذه الرواية، فإنَّ أبا هريرة يدفع عن نفسه ما أشاعه بعض خصوم الأمويِّين. ثم إنَّ الحديث الذي رُوِيَ عن أبي هريرة ينفي نفياً قاطعاً صحة هذه الرواية ويُبَيِّنُ زيفها. فقد روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المَدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا صَرْفٌ» (١). فليس فيها تلك الزيادة التي اختلقتها أيدي الواضعين في ذم الإمام عَلِيٍّ لينال أبو هريرة أجره من معاوية - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعاً -.

والمؤلف الأمين يحذف من الرواية بعضها وهو «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَرَمًا، وَإِنَّ حَرَمِيَ بِالْمَدِينَةِ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عِيرٍ وَثَوْرٍ» لأنَّ هذا القسم سينقض روايته وادِّعاءه لأنَّ الثابت عن أبي هريرة أنه لم يذكر هذا بل ذكره أمير المؤمنين عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في كلمة مشهورة له كما في " صحيح مسلم " (٢) إلاَّ أنَّ الإسكافي ذكرها عن أبي هريرة (٣) وهذا دليل آخر على سوء نياتهم وموقفهم من أبي هريرة خاصة وبعض الصحابة عامة.

ثم إنَّ المؤلف نفسه يناقض بروايتاته ما يزعمه ويدَّعِيهِ. فقد زعم قبل قليل في الصفحة [٢٥] من كتابه أنَّ بُسر بن أبي أرطأة وَلَّى ابا هريرة المدينة حين قدم إليها. وفي الصفحة [٣٩] يقول: «لما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاَّهُ إمارة المدينة»!! فأيُّ الخبرين يحب المؤلف أنْ نعتمد


(١) " صحيح مسلم ": ٢/ ٩٩٩ حديث ٤٦٩.
(٢) انظر " صحيح مسلم ": ٢/ ٩٩٥ وما بعدها و ٢/ ١١٤٧ وقد نقل صاحب " أضواء على السُنَّة " الرواية كاملة ظناً منه أنه يوفق لإثبات خطأ أبي هريرة ولم يفلح لأنها ليست من روايته. انظر صفحة [١٩٠] من كتابه.
(٣) " شرح نهج البلاغة ": ١/ ٤٦٧.

<<  <   >  >>