للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في تصدير كتاب " الإصابة " لابن حجر - طبع كلكتا سنة ١٨٥٢ - ١٨٦٤ م -: «لم تكن فيما مضى أُمَّةٌ من الأمم السالفة، كما أنه لا توجد الآن أُمَّةٌ من الأمم المعاصرة أتت في علم أسماء الرجال بمثل ما جاء به المسلمون في هذا العلم العظيم الخطر الذي يتناول أحوال خمسمائة ألف رجل وشؤونهم .. ».

وقد ظهرت تلك المُصَنَّفاتُ منذ أواخر القرن الهجري الثاني وطلائع القرن الثالث.

وإلى جانب هذا فقد التزم العلماء رواية الحديث بأسانيده، وكانوا يتثبَّتُون من صحة الأحاديث بالارتحال إلى الصحابة وكبار التابعين، ويقارنون بين طرق الأحاديث، ومتونها، ويعرفون زيادات الرُواة فيهما، كما قسَّمُوا الأحاديث درجات يعرف بها المقبول من المردود، والقوي من الضعيف.

فلم تصلنا الأحاديث في أمهات مصادرها إلاَّ بعد جهود عظيمة بذلها أسلافنا العظام، الذين خدموا السُنَّة خدمة جليلة، وتفانوا في سبيل حفظها وصيانتها.

وقد هيَّأ الله - عَزَّ وَجَلَّ - لحفظ شريعته حفاظاً متقنين ضابطين، نقلوا حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحفظوا على الأُمَّة شريعتها ودينها، في مختلف العصور منذ عصر الصحابة إلى ما بعد التدوين وظهور مُصنَّفات الحديث العظيمة، وقد وهب الله تعالى لهؤلاء الحُفاظ حوافظ قويَّة، وإنَّ التاريخ يروي لنا ما كان يحفظه أبو هريرة، وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين التي كانت آية من آيات الذكاء والحفظ، وعبد الله بن عباس الذي اشتهر بسرعة حفظه، حتى إنه كان يحفظ الحديث من مَرَّةٍ واحدةٍ، وقد سمع قصيدة لابن أبي ربيعة عِدَّتُهَا ثمانون بيتاً فحفظها من المَرَّةِ الأولى، وفي الصحابة أمثاله كزيد بن ثابت الذي حفظ معظم القرآن قبل بلوغه، وتعلَّم لغة اليهود في سبعة عشر يوماً، وجابر بن عبد الله، وَأًبِي سعيد الخُدري وغيرهم من أعلام الصحابة في الحفظ والضبط والإتقان.

<<  <   >  >>