أنا أحق بها يا رسول الله، ابنة عمي، وعندي خالتها، والخالة أم، وهي أحق بها من غيرها، وقال زيد: بل أنا أحق بها يا رسول الله، خرجت إليها، وتجشمت السفر، وأنفقت، فأنا أحق بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: سأقضي بينكما فى هذا وفي غيره، قال علي: فلما قال: وفى غيره، قلت: نزل القرآن في رفعنا أصواتنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: أما أنت يا زيد بن حارثة، فمولاى ومولاها، قال: قد رضيت يا رسول الله. قال: وأما أنت يا جعفر، فأشبهت خلقى وخلقى، وأنت من شجرتى التي خلقت منها، قال: رضيت يا رسول الله، قال: وأما أنت يا علي، فصفيى وأمينى، وأنت منى وأنا منك، قلت: رضيت يا رسول الله، قال: وأما الجارية فقد رضيت بها لجعفر، تكون مع خالتها، والخالة أم، قالوا: سلمنا يا رسول الله» (١).
وهكذا قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بينهم قضاءً عظيماً فريداً، فهو - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
وانظر أيضاً إلى التربية النفسية الفريدة لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، كلٌ يفضي إلى ابنة حمزة بنسب أو سبب، فكيف يكون القضاء؟ ولابد من أن يقضي لواحدٍ، فكيف يكون لغيره الرضا؟ فقضى بها النبي عليه الصلاة والسلام لخالتها، وهي زوجة جعفر - رضي الله عنه -، وقال:«الخالة بمنزلة الأم»، ثم قال لعلي:«أنت مني وأنا منك»، وقال لجعفر:«أشبهت خلقي وخُلقي» وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا»، فأثنى على كل واحد منهم بما طيَّب نفسه
(١) أخرجه أبو داود (٢/ ٢٨٤)، رقم (٢٢٧٨) وسكت عنه (وقد قال في رسالته لأهل مكة ص (٢٨) ما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض)، والبزار (٣/ ١٠٥)، رقم ٨٩١) واللفظ له، والحاكم (٣/) ٢٣٢، رقم (٤٩٣٩)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٩/ ١٥٩): رجاله ثقات، وصححه الألباني في أبي داود (٢٢٧٨).