وهذا دليل شجاعة وإقدامٍ وثباتٍ وقوة إيمانٍ ويقينٍ وفروسيةٍ من جعفر رضي الله عنهم وأرضاه.
وهكذا تركّزت كل مسؤولية جعفر - رضي الله عنه - في ألا يدع راية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تلامس التراب وهو حيّ، حتى حين تكوَّمت جثته الطاهرة - رضي الله عنه -، كانت سارية الراية مغروسة بين عضدي جثمانه، وتمسَّك بها إلى آخر لحظة في حياته غير مبالٍ بطعنات أعدائه.
ثم شق الصفوف عبدالله بن رواحة - رضي الله عنه - كالسهم متجهاً لحمل الراية، وأخذها وقاتل قتالاً شديداً حتى استشهد.
فعن أنس - رضي الله عنهم -: (أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم)(١).
وعن أبي قتادة فارس رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «بعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جيش الأمراء فقال: عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة الأنصاري، فوثب جعفر فقال: بأبي
(١) أخرجه البخاري (٤/ ١٥٥٤) رقم (٤٠١٤)، قال ابن إسحاق: «ولما أصيب القوم قال... رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما بلغني: أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً، قال: ثم صمت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون، ثم قال: ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم قال لقد رفعوا إلي في الجنة»، أخرجه ابن هشام في السيرة (٢/ ٣٧٩).