لأنَّ ذلك كذِبٌ عليه في وَضْع الأحكام على ما أشار إليه الشارح بقوله:«لأن الترغيب ... إلخ»، وبيانُه: أنَّ الثواب والعقاب حُكْمان من أحكام الشرع، فإنَّ الثَّواب إنَّما يترتب على واجب أو مستحب، والعقاب إنَّما يترتب على الحرام؛ فهذه ثلاثة أحكام من الخمسة، ويتضمن ذلك: الإخبار عن الله تعالى بالوعد على ذلك العمل بالثواب والعقاب، وذلك باطل، ولأنَّ لفظة:«لِيُضِلَّ به النَّاسَ» اتفق الأئمة على ضَعفها، وبتقدير قَبولها فـ «اللام» ليست للتعليل ليكون لها مفهوم وخبر، بل للعاقبة كما في قوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا] {القصص: ٨}؛ لأنَّهم لم يلتقطوه لذلك، أو للتأكيد كما في قوله تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ] {الأنعام: ١٤٤}، إذ افتراؤه الكذب على الله تعالى محرَّمٌ مُطْلَقًا، سواءٌ قُصِد به الإضلال أو لا.
وفي عبارة: وليست «اللام» فيه للعلة، بل للصيرورة، كما فسِّر قوله تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ] {الأنعام: ١٤٤}، والمعنى: أنَّ مآل أمره إلى الضلال؛ إذ هو من تخصيص بعض أفراد العامِّ بالذِّكْر؛ فلا مفهوم له، كقوله تعالى:{لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً] {آل عمران: ١٣٠}، و {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ] {الأنعام: ١٥١}، أي: فَقْرٍ، فإنَّ: قَتْلَ الأولاد، ومضاعَفة الربا، والإضلال في هذه الآيات إنَّما هو لتأكيد الأمر فيها، لا لاختصاص الحُكْمِ بها.