الحمدُ لله ناصرِ عبادهِ الصَّالحينَ ولو بعدَ حينٍ، مُوفِّقِ مَن شاءَ منهم لنصرةِ هذا الدِّين، كلٌّ بما فتحَ الله عليهِ في حراسةِ ثغرٍ من ثُغورهِ على مَرِّ السِّنين، وَصلَّى الله وَسلَّمَ على نبيِّنا مُحمَّدٍ، وعلى صحابته، والتَّابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.
أمَّا بعد:
فإنَّ أَوْلَى ما يتنافسُ فيه المُتنافسون، وأَحْرى ما يتسابقُ في حَلَبةِ سباقهِ المتسابقون، ما كان بسعادةِ العبدِ في معاشهِ ومعادهِ كفيلًا، وعلى طريقِ هذهِ السَّعادةِ دليلًا، وذَلكَ العلمُ النَّافعُ والعملُ الصَّالحُ اللَّذانِ لا سعادةَ للعبدِ إلَّا بهما، ولا نجاةَ لهُ إلَّا بالتَّعلُّقِ بسَبَبِهِما، فمَن رُزقهما، فقد فازَ وغَنِمَ، ومَن حُرمَهما فالخيرَ كلَّهُ حُرِمَ.
ولمَّا كَانَ التَّلقِّي عَنهُ على نَوْعين: نوعٍ بواسطةٍ، ونوعٍ بغيرِ واسطةٍ، وكانَ التَّلقِّي بلا واسطةٍ حظَّ أصحابهِ الَّذينَ حازوا قصباتِ السِّباق، وَاسْتَوْلوا على الأمدِ، فلا طمعَ لأحدٍ منَ الأُمَّةِ بعدهم في اللَّحاق، وَلكنَّ المُبرَّزَ منِ اتَّبعَ صراطهمُ المُسْتقيم، واقْتفَى مِنْهاجهمُ القويمَ، وَالمُتَخلِّفَ مَن عَدلَ عن طريقهم ذاتَ اليمينِ، وذاتَ الشِّمال، فَذلكَ المنقطعُ التَّائهُ في بَيْداءِ المهالكِ والضَّلال.
فأيُّ خصلةِ خيرٍ لم يسبقوا إليها؟ وأيُّ خُطَّةِ رُشدٍ لم يَسْتَولوا عليها؟
تَاللهِ، لقد وَرَدوا رَأْسَ الماءِ من عينِ الحياةِ عذبًا صافيًا زُلَالًا، وأيَّدوا قَواعدَ الإسلامِ،