للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَدْ روى البُخاريُّ في «صحيحِه» في حديثِ ابنِ شِهَابٍ، عن سالِمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عن أَبيهِ في قصَّتِهِ معَ الحجَّاج حينَ قالَ لهُ: إِنْ كُنْتَ تُريدُ السُّنَّةَ، فهَجِّرْ بالصَّلاةِ يومَ عَرَفَةَ.

قالَ ابنُ شِهَابٍ: فقُلْتُ لسالِمٍ: أَفَعَلَهُ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فَقَالَ: وهل يَعْنونَ بذَلكَ إِلَّا سُنَّتَهُ صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلم؟!

فنَقَلَ سالمٌ -وهو أَحدُ الفُقهاءِ السَّبعَةِ مِن أَهلِ المدينةِ، وأَحَدُ الحُفَّاظِ مِن التَّابعينَ عنِ الصَّحابَةِ- أَنَّهم إِذا أَطلَقوا السُّنَّةَ، لا يُريدونَ بذلك إِلَّا سُّنَّةَ النبيِّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

وَأَمَّا قولُ بعضِهِم: إِذا كَانَ مرفوعًا، فَلِمَ لا يقولونَ فيهِ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَجَوابُهُ: إِنَّهُمْ تَرَكوا الجَزْمَ بذلك تَورُّعًا وَاحتِياطًا.

وَمِنْ هَذَا: قولُ أَبي قِلَابةَ عن أَنسٍ: «مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزوَّجَ البِكْرَ على الثَّيِّبِ أَقامَ عندَها سَبعًا»، أَخرَجاهُ في الصَّحيحينِ.

قالَ أَبو قِلابةَ عن أنس لو شِئْتُ لقُلْتُ: إِنَّ أَنسًا رفَعَهُ إِلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

أَيْ: لَوْ قُلتُ، لَمْ أَكْذِبْ؛ لأَنَّ قولَه: «مِن السُّنَّةِ» هَذَا معناهُ، ولَكنَّ إِيرادَهُ بالصِّيغَةِ التي ذَكَرها الصَّحابيُّ أَوْلَى.

ومِن ذَلكَ: قَولُ الصَّحابيِّ: أُمِرْنا بكَذَا، أَوْ: نُهينا عَنْ كذا، فالخِلافُ فيهِ كالخِلافِ في الَّذي قَبْلَهُ؛ لأنَّ مُطْلَقَ ذلك يَنْصَرِفُ بظاهِرِه إِلَى مَنْ لهُ الأمرُ والنَّهْيُ، وهُو الرَّسولُ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

وَخَالفَ في ذَلكَ طَائفةٌ وتمَسَّكوا باحْتِمالِ أَنْ يَكونَ المُرادُ غيرَه؛ كأَمرِ القُرآنِ، أَو الإِجماعِ، أَو بعضِ الخُلفاءِ، أَو الاستِنْباطِ!

<<  <  ج: ص:  >  >>