وإِنَّما كَانَ لهُ حُكْمُ المَرفوعِ؛ لأنَّ إِخبارَهُ بذلك يقتَضي مُخْبِرًا لهُ، وما لا مَجالَ للاجتِهادِ فيهِ يَقتَضي مُوقِفًا للقائلِ بهِ، ولا مُوقِفَ للصَّحابَةِ إِلَّا النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، أَو بعضُ مَن يُخْبِرُ عَن الكُتُبِ القديمةِ، فلهذا وقعَ الاحْتِرازُ عنِ القسمِ الثَّاني، وإِذا كَانَ كذلك، فلهُ حُكْمُ ما لو قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فهُو مَرْفوعٌ؛ سواءٌ كانَ ممَّا سمِعَهُ منهُ أَو عنهُ بواسِطةٍ.
[قوله](١): «ومِثالُ المرفوعِ حُكْمًا ... إلخ»:
«مِثال» مبتدأ، و «ما يقول ... إلخ» خبره، و «حكمًا من المرفوع» ولعله لأنَّ المضاف في حُكم الخبر، إذ لو قلنا: المرفوع قول الصحابي ... إلخ صحَّ المعنى واستقام اللفظ أيضًا، والظاهر أنَّ «ما» من: «ما يقول» مصدريَّة، ومن قوله:«ما لا مجال ... إلخ» موصولة أو موصوفة معمولة ليقول، أو مدلولها الحُكْم، وإنْ كان لا يُقال، لكن يُقال اللفظ الدالُّ عليه، وقد يُحْمل على الحديث وهو يُقال، والظاهر -كما قاله بعضهم- نفي الحالية ظاهرا من غير تكلُّف، وهو حَسَنٌ لا بأس به.
و «الاجتهاد» هنا: بَذْلُ الوُسْع في تحصيل العِلْم بحُكمٍ شرعيٍّ، ومِثال الصحابي الذي لم يأخذ عن الإسرائيليَّات: الخلفاء الأربعة، ومثال من أَخَذَ منها عنهم: عبد الله بن سَلَام، قيل: وعبد الله بن عمرو بن العاصي؛ فإنَّه لمَّا فُتِح الشام