للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَالَ ابنُ الصَّلاحِ في مِثْلِ هَذَا إلى التَّوقُّفِ فِيهِ.

[قوله] (١): «ومَاَل ابنُ الصَّلاحِ ... إلخ»:

والجمهور أنَّه لا بُدَّ من بيان أسباب الجرْح فلا يُقْبَل إلَّا خسرا مفَسَّرًا لا مُجْمَلًا؛ فأورِد عليه: أنَّه كثيرٌ في أئمة الحديث الاقتصار غالبًا على مجرَّد قولهم: فلانٌ ضعيفٌ، أو ليس بشيء، من غير بيان لسببٍ يقتضي التَّجريح؛ فاشتراط التَّصريح بأسباب الجَرْح والتضعيف يُفضِي إلى تعطيل [مثل] (٢) ذلك، وسَدِّ باب الجَرْح في الأغلب؛ فأجاب ابن الصَّلاح (٣) عن الإيراد:

بأنَّا لا نَعْتَمِد التَّجريح ولا التَّضعيف المُجْمَلَين، لكنه لا يَلْزَمُ من عَدَمِ اعتماد ذلك قَبول الحديث والعمل به، بل يجب لأجْل [قيام التُّهمة في الجملة: التَّوَقُّف عن الاحتجاج بالرأي أو بالحديث] (٤) للرِّيبَة القويَّة الحاصلة بذلك، وغاية الوقف حتى يَتَبَيَّن لنا ببحثنا حال راويه من عدالته أو فِسْقه؛ فيُعْمل بما ظهر، كما إذا جُرِح شخصٌ جَرْحًا مُبْهَمًا، ثُمَّ رأينا أحدًا ممَّن الْتَزَم الصِّحَة خرَّج حديثه فإنَّا نَقْبَلُه؛ لأنَّ رواية من ذُكِر عنه تَوْثيقٌ له.

فقد احتجَّ البخاريُّ بعِكْرِمَة مولى ابن عباس مع ما فيه من كثرة التَّكلُّم، وأخرج أيضًا لابن مرزوق عمرو الباهِليِّ متابعةً مع ما فيه من القَدْح، واحتجَّ مُسْلِمٌ بسُوَيد بن سعيد، وكذلك البخاريُّ (٥) مع أنَّه ضعَّفه جماعةٌ إذ هو صدوقٌ في نَفْسِه، وأكثرُ من فَسَّر الجَرْح فيه ذَكَر: أنَّه عَمِيَ وربَّما تَلَقَّن الشيء، وهذا وإنْ كان قادحًا فإنَّما يَقْدَح فيما حَدَّث به بَعْدَ العَمَى لا فيما قَبْلَه، ولعلَّ مُسْلِمًا إنَّما خَرَّج عنه ما عَرَف أنَّه حدَّث به قَبْل عَمَاه، أو ما صَحَّ عِنْده، والله أعلم.


(١) زيادة من: (أ) و (ب).
(٢) زيادة من (ب).
(٣) مقدمة ابن الصلاح (ص ١٠٨).
(٤) زيادة من (ب).
(٥) لم يخرج البخاري لسويد بن سعيد في صحيحه، وإنما أخرج له مسلم وابن ماجه فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>