اعلمْ أنَّ:«كَمْ» اسمٌ لعددٍ مُبهم الجنس والمقدار، وليست مركَّبةً خلافًا للفَرَّاء والكِسائيِّ؛ فإنَّها مركبة عندهما مِن: كاف التشبيه وما الاستفهامية محذوفة الألف، وسُكِّنت (هـ/١٣) ميمُها لكثرة الاستعمال. و «كَمْ» قسمان: استفهاميَّة وخبريَّة، وكلٌّ منهما مُفتقِرٌ إلى تمييز؛ فتمييز الأولى مفردٌ منصوب، نحو: كم شخصًا سمَا؟ وتمييز الخبرية قسمان؛ لأنها تُستعملُ استعمالَ عشَرةٍ، فتُميَّزُ بجمع مجرور، نحو:
كم رجالٍ جاؤوك. وتستعمل استعمال مئةٍ؛ فتُميَّزُ بمفردٍ مجرور، نحو: كَمْ غُلامٍ مَلَكْت. وإفراد تمييزها أكثرُ وأفصحُ مِن جمعه. والصحيح: أنَّ الجر بعدها بإضافتها إلى التمييز؛ إذ لا مانع مِن الإضافة، وكلٌّ منهما يلزمان الصدرَ؛ أما الاستفهامية فواضحٌ، وأما الخبرية فللحَمْلِ على «رُبَّ»، فلا يعمل فيهما ما قبلهما إلا المضاف وحرف الجر. وحكى الأَخفَشُ أنَّ لغة بعضِ العرب تقديمُ العامل على «كَمْ» الخبرية، وعليها فيجوز أنْ يُقالَ: مَلَكْت كَمْ غلامٍ. فقيل: هي من القلة بحيث لا يقاس عليها، والصحيح: أنَّه يجوز القياس عليها؛ لأنها لغة.
إذا عَرَفتَ هذا عَرَفتَ أنَّ المؤلف اعتمد ما حكاه الأخفشُ؛ فقدَّم عليها العاملَ وهو «يُحْصى»، ولو اعتمد طريق الجمهور لأخَّره عن «كَمْ» وعن تمييزها جميعًا، وعرَفتَ أنَّ «ناظِم» وما بعده مجروراتٌ بإضافة «كَمْ» إليها، بعضُها بالأصالة وبعضُها بالتَّبَعيَّة. والمرادُ بالـ «مُقتَصِر»: مَن يَرتضي كلامَه من غير زيادة ولا نقص، والمراد بالـ «مُعارِض»: من يَرُدُّ بعضَ ما فيه ببيانِ خلَلِه أو ضَعْفِه. والمرادُ بالـ «مُنْتَصِر»: مَن يَلتَمِسُ عن ذلك جوابًا كالعِراقيِّ، ولا يخفَى أنَّ العراقيَّ: نظَمَ واختصر، واستدرَكَ واقتصَرَ في بعض المواضع، وعارَضَه في بعضها، وانتصر له في أُخَر، وكأنَّ هذا -والله أعلم- هو الحكمة في عطف هذه المذكورات بالواو الصالحة للجمع دون «أو» التي الحاصل فيها منْعُ الجمع والخُلُوِّ.