للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الرابع: الاعتراض على أَهْلِ الظاهر

أدى جمود أهل الظاهر على النص، ونفيهم التعليل والاجتهاد بالرأي والقياس، إلى الوقوع في عظيم، والهجوم على أمر خطير، ذلك أنهم جوزوا ورود الشريعة بالفرق بين المتساويين، والجمع بين المختلفين، لإقرارهم أن الشارع ينهى عن الشيء لا لمفسدة، ويأمر به لا لمصلحة. فكان أَنْ نهض علماء مختلف المذاهب للرد عليهم، وبيان الحق الذي التبس عليهم، فكانوا في ذلك بين منصف عادل، ومغال قادح.

ولعل من أحسن الاعتراضات على أهل الظاهر وأعدلها وأقربها إلى النَّصَفة، اعتراض ابن قيم الجوزية الذي صَدَّره ببيان محاسن الظاهرية فقال: "وأحسنوا في اعتنائهم بالنصوص ونصرها، والمحافظة عليها، وعدم تقديم غيرها من رأي أو قياس أو تقليد، وأحسنوا في رد الأقيسة الباطلة، وفي بيان تناقض أهلها: وأخذهم بقياس وتركهم ما هو أولى منه (١) ". ثم انبرى ابنُ القَيِّم للاعتراض والنقد فقال: ولكن أَخْطَأوا من أربعة أوجه:

أحدها: رد القياس الصحيح: ولا سيما المنصوص على علته التي يجري النص عليها مجرى التنصيص على التعميم باللفظ، ولا يتوقف عاقل في أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم


(١) إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج ١/ ص ٢٨٩).