للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المبحث الرابع العلم والفكر]

كانت الأندلس في عصر الطوائف دار علم وأدب، يتنافس أهلُها في طلب العلوم، وتحصيل المعارف، ويزدحم أرباب الفكر فيها على أبواب الأمراء، الذين عرفوا أقدراهم، فأنزلوهم منزلة حسنة، وأحاطوهم بالرعاية والعناية. يقول أبو الوليد الشقندي في رسالته في فضل الأندلس: "ولما ثار بعد انتثار هذا النظام ملوك الطوائف، وتفرقوا في البلاد. كان في تفرقهم اجتماع على النعم لفضلاء العباد، إذ نفقوا سوق العلوم، وتباروا في المئوبة على المنثور والمنظوم، فما كان أعظم مباهاتهم إلا قول: "العالم الفلاني عند الملك الفلاني"، و"الشاعر الفلاني مختص بالملك الفلاني"، وليس منهم إلا من بذل وسعه في المكارم، ونبهت الأمداح من مآثره، ما ليس طول الدهر بنائم" (١).

وكان عدد من رجال الدولة ووزرائها من أعيان العلماء، وفضلاء النجباء، ونبلاء الأدباء، وَمِنَ الأمراء الحكام مَنْ كان لَهُ اشتغالٌ لعلم والأدب، كعباد بن المعتضد (٢) وابنه محمد


= الحمامة في الألفة والآلاف (ضمن الرسائل) ابتداء من ص ٢٣ إلي ص ٨٣ من الجزء الأول، وتقديمه أيضا لرسالة: مداواة النفوس من ص ٣٢١ إلى ص ٤١٥ من الجزء الأول.
(١) انظر: نفح الطيب (ج ٣/ ص ١٨٩ - ١٩٠).
(٢) عباد بن المعتضد أبو عمرو الأمير من أهل الأدب البارع، والشرع الرائع، والمحبة لذوي المعارف، وكانت له في رياسته هيبة عظيمة، وسياسة بعيدة، قال الحميدي بعد أن وصف من حاله، "وعلى كل حال، فلأهل العلم والأدب، بهذا البيت الجليل =