للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[(المبحث الأول) السياسة]

كان دخول العرب المسلمين إلى شبه جزيرة إيبيريا (إسبانيا والبرتغال)، فتحا عظيما وجهادا كبيرا رائعا، نقل تلك القطعة من الأرض من حال إلى حال، ومن عهد إلى عهد، بما أحدث فيها من حضارة وعمران، ومدنية وازدهار.

والأندلس -ناحية من تلك الجزيرة عمرها العرب المسلمون، فسكنوا مدنها وقراها وكورها، وشادوا في جنباتها مدارس العلم، ومعاهد الآداب والفنون، ودور الصناعة، وأسواق التجارة. وغدت لهم - بعد الغربة- دَارًا ووطنا، ملء أسماعهم وأبصارهم، لا تفتر ألسنتهم عن ذكر محاسنها، ولا تنقطع بهم فنون القول عن تعداد فضائلها، حتى بعدما جلوا عن أرضها وسمائها.

يقول لسان الدين ابن الخطيب: "خَصَّ الله تعالى بلاد الأندلس من الريع، وغدق السقيا، ولذاذة الأقوات، وفراهة الحيوان، ودرور الفواكه، وكثرة المياه، وتبحر العمران، وشرف الآنية، وكثرة السلاح، وجودة اللباس، وصحة الهواء، ابيضاض ألوان الإنسان، ونبل الأذهان، وفنون الصنائع، وشهامة الطباع، ونفوذ الإدراك، وإحكام التمدن والاعتمار، بما حرمه الكثير من الأقطار ... " (١).

ولم ير العرب المسلمون في الأرض: بلادا أجمل من أندلسهم، ولا


(١) انظر: نفح الطيب (ج ١ / ص ٢٥٤).