للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المبحث الثاني الاقتصاد]

يتأثر الاقتصاد بالسياسة وتقلباتها، فإذا نعم الناس بالأمن والاطمئنان، درت الخيرات، في التجارة والزراعة والصناعة، وإذا اضطرب الأمن، وازداد الخوف، وكثرت الفتن، وعمت الفوضى، تعطلت سبل الرزق في الحقول والمصانع والمتاجر.

ولقد نعمت قرطبة -مدينة ابن حزم- بالاستقرار والأمن في عصر بني عامر، فكان أهلها أغنى الناس في الأندلس، بما فُتح عليهم من أبواب الرزق الواسع، والعيش الرابح.

ولما جاءت الفتنة، واضطرب أمر الناس في عهد ملوك الطوائف، ساءت الأحوال وضاقت سبل الرزق، وقلت الموارد وذهب ذلك الثراء. وقد فصل ابنُ حزم القولَ فيما أصبح عليه حال الأندلس من خوف واضطراب وظلم فقال: " ... وعمدة ذلك أن كل مدبر مدينة، أو حصن في شيء من أندلسنا هذه، أولها عن آخرها، محاربٌ لله تعالى ورسوله، وساع الأرض بفساد، للذي ترونه عيانا من شنهم الغارات على أموال المسلمين من الرعية التي تكون في ملك مَنْ ضَارَّهُم، وإباحتهم لجندهم قطع الطريق على الجهة التي ينقضون على أهلها، ضاربون للمكُوس والجزية على رقاب المسلمين ... " (١).

وازدهرت الزراعة في الأندلس في عصر بني عامر، وسعى أهل


(١) انظر: التلخيص لوجوه التخليص (ضمن رسائل ابن حزم) (ج ٣/ ص ١٧٣).