للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الفهم أيضًا الشافعي وكثير من السلف، وتحرير موطن النزاع في هذه المسألة أن يقال إن أهل الحديث وبعض الفقهاء عَمِلُوا بظاهر الحديث، بينما لم يعمل أبو حنيفة بظاهره (١).

[٢ - ولوغ الكلب في الإناء]

حكى المصنف عن الحنفية أنهم قالوا: "لا معنى لغسل الإناء من ولوغ الكلب فيه سبعا، ولا بالتراب، وهذا لا معنى له" (٢). وهذا عين ما انتقده ابنُ أبي شيبة على أبي حنيفة (٣)، وقد ذهب جمهور أهل الحديث إلى غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا، وتعفيره الثامنة بالتراب، للحديث الصحيح الوارد في ذلك، وذهب أبو حنيفة إلى عدم العمل بهذا الحديث، لأنه قد طرأ عليه ما يضعفه أو يرجح نسخه وهو عمل الراوي وفتواه بخلاف ما رواه، ذلك أن أبا هريرة - راويه - كان إذا ولغ الكلب في الإناء بين يديه أهرقه ثم غسله ثلاث مرات، وذلك دليلٌ على نسخ الغسل سبعا، ورأى أبو حنيفة أنه يستحيل أن يترك أبو هريرة العمل بحديث سمعه، إلا إذا علم بوجود الناسخ، وأبو حنيفة مع ذلك لا يقول بإجزاء الغسل مع الولوغ مرة، بل هو يوجب غسل الإناء ثلاثا.

وبهذا يتضح أن أبا حنيفة قد أخذ ببعض هذا الحديث، وترك بعضه،


(١) انظر: شرح معاني الآثار (ج ١/ ص ٦٤ - ٦٦) وبداية المجتهد (ج ١/ ص ٦٣).
(٢) الإعراب عن الحيرة والالتباس (ج ١/ ل ١١).
(٣) انظر: المصنف لابن أبي شيبة (ج ٧/ ص ٣٠٨).