[المبحث الثالث: محاسن الكتاب]
هذا الكتاب فريد في بابه, عديم النظير بين أشكاله, عجيب في ترتيبه ووضعه, غريب في نقد مؤلفه وقسوته, قد لا يجود الزمان بمثله, ولا تأتي الأيام بضريبه, قد حوى علما كثيرا, واعتراضا وفيرا فهو خزانة فقه, ومدونة حديث, وجامع أثر, قد أشفى في ذلك على الغاية, وبلغ النهاية.
فمن محاسن هذا العِلْق النفيس, والأثر الجليل:
١ - الكتاب دليلٌ على قوة حفظ ابن حزم, وعظم استحضاره للأدلة, وتمكنه من انتزاع الحجج, ولقد صرح ابن حزم بأنه من أهل الاستقراء التام في معرفة دواوين الإسلام, قد أفنى في طلب أخبارها عمره وأتعب في ذلك بدنه, فقال: ". . . لأننا - ولله الحمد - أهل التلخيص والبحث وقطع العمر في طلب تصحيح الحجة, واعتقاد الأدلة قبل اعتقاد مدلولاتها, حتى وقفنا - ولله الحمد - على ما ثلج به اليقين. . ." (١).
٢ - والكتابُ دليلٌ أيضًا على قدرة صاحبه على التعقب والمناظرة ومجادلة الخصوم, ولقد كانت لابن حزم دُربة في الجدال, ومُكنة في الحجاج, عرف بذلك لكثرة مخالفيه, وشذوذه عنهم, كما اشتهر
(١) الإحكام في أصول الأحكام (ج ١/ ص ٢٠).