للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المبحث الثاني: أسباب ظاهرية ابن حزم]

نَشأ ابن حزم شافعيا (١)، ثُمَّ تَحَوَّلَ إلى القَوْل بالظاهر (٢)، ونصر


(١) هذا هو الذي تدل عليه عبارات أهل التراجم والسير، وذهب إليه جمع من فضلاء العصر، كالعلامة سعيد الأفغاني في ابن حزم ورسالته في المفاضلة بين الصحابة (ص ٦١)، وطه الحاجري، في ابن حزم صورة أندلسية (ص ١١٨). وذهب بعض المعاصرين إلى أن ابن حزم نشأ مالكيا، ومن هؤلاء: الشيخ محمد أبو زهرة في "ابن حزم حياته وعصره. . ." (ص ٣٨) ود. محمد سلام مدكور في "مناهج الإجتهاد في الإسلام (ص ٧٠٤)، ود. عبد الله الزايد في "ابن حزم الأصولي" (ص ٧١) - ولم أره - ود. عبد الحليم عويس في ابن حزم الأندلسي، وجهوده في البحث التاريخي والحضاري (ص ٨٩)، وقال هؤلاء: لقد خضع أهل الأندلس لمذهب الدولة السائد وهو المَذْهب المالكي، فكيف يخالفهم ابن حزم فينشأ شافعيا؟ ! . قلت: لقد خالف ابن حزم فقهاء عصره، وجاءهم بغريبة عجيبة - وهي القول بالظاهر - ومن هان عليه المخالفة بما هو أشد إيغالا في الخلاف، كان أسرع إلى المخالفة بما هو أهون، هذه واحدة والثانية: ليس من لازم سيادة مذهب في بلاد أن يكون جميع أهلها على ذلك المذهب، فقد يكون فيهم المخالف. وثالثة: تواطأت عبارات المترجمين لابن حزم على أنه كان شافعيا ثم تحول ظاهريا، ولو وجد خلاف في ذلك لتوفرت دواعي هؤلاء على نقله وحكايته، أما ولا وجود للنقل، فدل ذلك على أنه لم يكن. ورابعة: لعل هؤلاء الفضلاء غرهم ما ذكره ابن حجر في اللسان (ج ٤/ ص ١٩٨) من قوله: ". . . ثم أقبل على العلم، فقرأ الموطأ وغيره، ثم تحول شافعيا، فمضى على ذلك وقت، ثم انتقل إلى مذهب الظاهر. . ."، وفهموا من قراءة ابن حزم الموطأ أولا أنه نشأ مالكيا، قلت: وليس يسلم الإحتجاج بذلك، لأن ابن حجر ذكر ذلك في معرض كلامه على إقبال ابن حزم على قراءة كتب السنن والآثار، والموطأ منها، ثم يقال لهؤلاء: ليس كل من قرأ الموطأ أو نظر فيه صار مالكيا. والله أعلم.
(٢) يجوز الانتقال من جميع المذاهب إلى بعضها بعضا، وفي تاريخ أهل العلم أمثلة منها: انتقال الطحاوي الذي كان شافعيا إلى مذهب أبي حنيفة، وتحول الخطيب البغدادي من مذهب أحمد إلى مذهب الشافعي.