للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك وجادل عنه، فأوذي وعودي، ولقد كان الباعث على هذا التحول جملة أسباب منها:

أولا: أحوال الفقهاء في عصره، وتبريرهم لتصرفات الحكام: غَلَب على فقهاء عصر ابن حزم التملق لأمراء الطوائف، فوطئوا بساطهم، وأكلوا من موائدهم، وتفيأوا ظلال قصورهم، فنقص ذلك من دينهم، وتحيف من علمهم، فاسترسلوا في الفتاوى الجائرة التي تعين على ظلم، فَتَنْصُرُ حاكما، وتؤيد مستهترا (١)، ومما يعضد ذلك ويقويه: ما يذكره المؤرخون من أن جماعة من الفقهاء أفتوا بجواز ولاية عبد الرحمن شنجول، وأذاعوا حديثا نسبوه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا فيه: "لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان، يسوق الناس بعصاه"، وكان عبد الرحمن قحطانيا (٢).

ولقد أعلن ابنُ حزم رأيه في هؤلاء الفقهاء إعلانا لم يخش فيه ملامة حينما قال لمن استنصحه: ". . . فلا تغالطوا أنفسكم، ولا يغرنكم الفساق، والمنتسبون إلى الفقه، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المزينون لأهل الشر شرهم، الناصرون لهم على فسقهم" (٣).

ثانيا: طريقة استعمال القياس عند القائلين به: توسع القائلون


(١) انظر: "ابن حزم الفيلسوف الذي أرخ لمجتمع الطوائف". محمد عبد الله عنان مجلة العربي عدد ٦٨ يوليو سنة ١٩٦٤ م (ص ٣٤).
(٢) الحلة السيراء (ج ١/ ص ٢٧٠ - ٢٧١) والبيان في أخبار المغرب (ج ٣/ ص ٦١ - ٦٢).
(٣) التلخيص لوجود التخليص (ج ٣/ ص ١٧٣).