للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالقياس في استعماله في المائة الثانية للهجرة (١)، فتوطدت لذلك أركانه، ووضحت معالمه، وصار في بعض المذاهب رابع الأصول الثلاثة (٢).

وغلت طائفة في استعمال القياس، فاضطربت في القول، وأخذت به مرة، وتركته مرة، فوقع الناس في أمر عظيم. يقول ابن قتيبة واصفا حال هذه الطائفة: ". . . يختلفون ويقيسون ثم يدعون القياس ويستحسنون، ويقولون بالشيء ويحكمون به، ثم يرجعون" (٣).

وربَّما تساهل بعضُ أهل الرأي فاستجاز ". . . نسبة الحكم الذي دل عليه القياس الجلي إلى رسول الله، ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة، لأنها تُشبه فتاوي الفقهاء، ولأنهم لا يقيمون لها سندا" (٤).

وراع ابنَ حزم حالُ أهل القياس، وما هُم عليه من شدة الخلاف، فأثر ذلك في نفسه نفرة منهم، وجفوة لأصولهم يقول: "وجميع أهل القياس مختلفون في قياساتهم، لا تكاد توجد مسألة إلا وكل طائفة منهم تأتي بقياس تدعي صحته تُعارض فيه قياس الأخرى، وهم كلهم مقرون مجمعون على أنه ليس كل قياس صحيحا، ولا كل رأي حقا" (٥).


(١) انظر: ملخص إبطال القياس (ص ٤).
(٢) انظر: المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية (ص ٩٧).
(٣) تأويل مختلف الحديث (ص ٥١).
(٤) فتح المغيث (ج ١/ ص ٢٩٠).
(٥) المحلى (ج ١/ ص ٥٨).