اعتقد ابن حزم صحة أصوله، وسلامة قواعده اعتقادًا لا يخالطه شك، فَثَبَتَ على ذلك مدة حياته، يدافع عن هذه الأصول وتلك القواعد، فَحَميَ فكرُه، وتهيجَّ نشاطه، وامتد جداله، حتى ضاق الناس به ذَرْعًا، فآذوه ونبذوا طريقته وفقهه.
وإنما أثار الناس عليه أَحَدُ أمرين:
الأول: جموده ويُبْسُهُ على ظواهر النصوص، وتركه للرأي والقياس وإغرابه في مسائل انفرد بها، واستهجانه لرأي غيره.
ولقد أكثر ابن العربي (١) الاعتراضَ على ابن حزم من هذه الجهة، وبالغ في ذلك حتى أقذع في القول، وخرج عن حد الأدب.
فمن ذلك: قوله عند تحديد مسافة القصر: "تلاعب قوم بالدين، فقالوا: "إن مَنْ خرج من البلد إلى ظاهره، قَصَرَ الصلاة وأكل، وقائل هذا أعجمي لا يَعْرف السفر عند العرب، أو مستخف بالدين، ولولا أن العلماء ذكروه ما رضيتُ أن ألمحه بمؤخر عيني، ولا أن أفكر فيه
(١) هو محمد بن عبد الله بن محمد أبو بكر بن العربي المعافري الحافظ العلامة، سمع ببلده إشبيلية، ورحل فسمع بمصر ومكة وبغداد، وقيد الحديث وتوسع في الرواية، وأتقن مسائل الخلاف والأصول، من تآليفه: "أحكام القرآن" (ح) و"قانون التأويل" (ح) و"الناسخ والمنسوخ" (ح) وغير ذلك، توفي سنة ٤٦٨ هـ. انظر ترجمته في: جذوة الاقتباس (ص ١٦٠)، والمغرب في حلي المغرب (ج ١/ ص ٢٤٠) وسير أعلام النبلاء (ج ١٢/ ص ١٨٩) والديباج المذهب (ص ٣٧٦ - ٣٧٨).