للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عندهم دليل على صحة شرط، أو عَقْدٍ، أو معاملة استصحبوا بطلانه فأفسدوا بذلك كثيرًا من معاملات الناس وعقودهم وشروطهم بلا برهان من الله بناء على هذا الأصل" (١).

والحق أن أهل الظاهر لم يردوا القياس الصحيح إذا كانت علته منصوصا عليها كما ادعى ابنُ القيم، بل إنهم يأخذون به لا على معنى أنه قياس، بل على معنى أنه "دليل" مأخوذ من النص أو الإجماع على النحو الذي سبق بيانه (٢).

قال الإمام الشوكاني: "ثم اعلم أن نُفاة القياس لم يقولوا بإهدار كل ما يسمى قياسا، وإن كان منصوصا على علته، مقطوعا فيه بنفي الفارق، بل جعلوا هذا النوع من القياس مدلولا عليه بدليل الأصل، مشمولا به، مندرجا تحته، وبهذا يهون عليك الخطبُ، ويَصْغُر عندك ما استعظموه، ويقرب لديك ما بَعَّدُوه لأن الخلاف في هذا النوع


(١) إعلام الموقعين (ج ١/ ص ٢٨٩ - ٢٩٤) وقد تصرفت في بعض النقل بالحذف.
(٢) انظر (ص ١٤٤)، ولقد فطن التاج السبكي إلى هذا فقال في طبقات الشافعية (ج ٢/ ص ٤٦) في ترجمة داود بن علي الظاهري رأس أهل الظاهر: وقفت لداود رحمه الله على أوراق يسيرة سماها الأصول نقلت منها ما نصه: "والحكم بالقياس لا يجب، والقول بالاستحسان لا يجوز" ثم قال: "ولا يجوز أن يحرم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيحرم محرم غير ما حرم لأنه يشبهه إلا أن يوقفنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على علة من أجلها وقع التحريم مثل أن يقول: حرمت الحنطة بالحنطة لأنها مكيلة. . . يعلم بهذا أن الذي أوجب الحكم من أجله هو ما وُقف عليه، وما لم يكن ذلك فالبعيد واقع فظاهرُ التوقيف، وما جاوز ذلك فمسكوت عنه، داخل في باب ما عفي عنه انتهى، قال التاج السبكي معلقا: "فكأنه لا يسمي منصوص العلة قياسا".