يظهر الحوار الفقهي، إذ كانت رحمه موصولة، فكل مذهب على اطلاع بما عند الآخرين، وبوصول المعرفة بالمذاهب الفقهية إلى شتى فرق الفقهاء كان لابد من بروز مناقشات ومُدَارسات تصيب مقاصد العلم وتحقق له مزيدًا من الثراء.
فكم من مذهب ينعى على آخر احتجاجه بحديث ضعيف، أو فهمًا غير مستقيم لدليل، أو عدم استخدام القاعدة الأصولية على الوجه الصحيح، وغير ذلك من ردِّ وَهْم، أو دفع إيهام، أو كبح لجام العلم وتقييد الكلام المطلق، أو توسيع ما ضاق عطن صاحبه، أو انتقاد عدم اطراد منهج الأخذ والرد، فهذه وغيرها مقومات لأصول الجدل الفقهي، وبواعث حاملة على استمرار حراسة العلم، ورد طغيان الفهم أو انحساره، وهذا شيء كثير يستخرج عند تصفح كتب المذاهب وتراجم العلماء.
وكان الأدب الجم يطبع هذا الجدل الفقهي، لأن الدافع إليه تبيان الصواب، وإنصاف العلم والعلماء، من غير عصبية مخلة بالمروءة، بل متى لاح الشطط أنكروه، وقد أُثِرَ عنهم:"الحق عندنا أولى من الشافعي".
وفي نص حافل بهذه المعاني وغيرها يقول سلطان العلماء العز بن عبد السلام -رحمه الله-: "من العجب العجيب أن يقف المقلد على ضعف مأخذ إمامه، وهو مع ذلك يُقَلّده كأن إمامه نبي أرسل إليه، وهذا نَأْي عن الحق وبعد عن الصواب، لا يرضى به أحد من أولي الألباب، بل