للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي هريرة قال عليه السلام: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث" (١).

وقد عارضكم الشافعيون بظن كظنكم، فقالوا إنما نهى عليه السلام عن ذلك، لئلا يخرج من إحليله شيء يُنَجِّسُ الماء (٢)، فمن جعل دعواكم أو ظنكم أَوْلَى من دعوى غيركم أو ظنه؟

ثم إنكم في ذلك مُجاهرُون بالمحال البَحْت، لأنه لو كان النهي المذكور خوف أن يصير الماء مستعملًا لَمَا صح لأحد غُسل، ولا وضوء أبدًا، لأنَّه متى أخذ الماء وصبه على ذراعه، أو صدره، أو رأسه صار مستعملًا بيقين المشاهدة في الوقت، فَبَسْطُهُ على باقي العضو، يطهر بماء مُسْتَعْمِلٍ، فظهر بَرْدُ كذبكم، وغثاثةُ ظنكم، وفسادُ قولكم.

ثم تناقضوا من قريب، فقال محمد بن الحسن (٣)، في الجنب الذي


(١) أخرجه البخاري في الأدب، باب {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ ... }. برقم ٦٠٦٦. ومالك في الموطأ برقم ١٦٨٤ (ص ٦٠٦)، وأبو داود في الأدب، باب الظن برقم ٤٩١٧، والترمذي باب ما جاء في ظن السوء برقم ٢٠٥٥ وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
(٢) حكى المصنف في المحلى (ج ١/ ص ١٨٦) مذهب الشافعية في هذه المسألة، وفسره بنحو هذا التفسير.
(٣) محمد بن الحسن الشيباني مولاهم الكوفي المنشأ القاضي، ولد بواسط. وسمع أبا حنيفة ومالك ابن مغول، وطائفة، ثم تفقه على أبي يوسف، وصف الكتب الكثيرة، وبث علم أبي حنيفة، وكان فصيحا من أذكياء العالم. توفي سنة ١٨٩ هـ. من تآليفه: الجامع الصغير والكبير. انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (ج ٧/ ص ٢٢٧) وسير أعلام النبلاء (ج ٩/ ص ١٣٤) والفوائد البهية (ص ١٦٣).