للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"لقد شاهدتُ النساء، وعلمت من أسرارهن ما لا يكاد يعلمه غيري، لأني رُبيت في حجورهن، ونشأت بين أيديهن، ولم أعرف غيرهن، ولا جالستُ الرجال إلا وأنا في حد الشباب، وحين تبقل (١) وجهي، وهن علمنني القرآن وروَّينني كثيرا من الأشعار، ودربنني في الخط، ولم يكن وُكدي وإعمال ذهني مُذْ أول فهمي، وأنا في سن الطفولة جدا إلا تعرف أسبابهن، والبحث عن أخبارهن، وتحصيل ذلك، وأنا لا أنسى شيئا أراه منهن، وأصل ذلك غيرة شديدة طُبعتُ عليها، وسوء ظن في جهتهن فُطرت به، فأشرفت من أسبابهن على غير قليل" (٢).

ويعلم من هذا النص أسماء المواد التي تلقاها ابن حزم في مُقتبل العُمر، وهي: حفظ القرآن الكريم، ورواية الأشعار، والتمرين في الخط، وهو يقتضي تعليما سابقا تناول تهجِّي الحروف، وتلقين الكتابة للمرة الأولى. فمن هو معلم أو معلمة ابن حزم في هذه المرحلة؟ ومن القريب جدا أن يكون هو أحمد بن محمد بن عبد الوارث القرطبي المتوفى سنة ٤٠٢ هـ وهو الذي يقول عنه الحميدي: "أخبرني أبو محمد علي بن أحمد أنه كان معلمه" (٣).

وكان من عادة أهل الأندلس أن يخلطوا في ثعليمهم للقرآن رواية الشعر في الغالب، والترسل، ويأخذون الناشئة بقوانين العربية


(١) بقل وجه الغلام: خرج شعره، انظر القاموس مادة بقل (ص ١٢٥٠).
(٢) انظر: طوق الحمامة (ضمن رسائل ابن حزم) (ج ١/ ص ١٦٦).
(٣) انظر: جذوة المقتبس (ص ٩٤).