وهذا الحرص من الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - دليل على وجوب صون جناب توحيد الله تبارك وتعالى صونًا كاملًا، ووجوب التفريق التام بين ما يجب لله - عز وجل -، وما يجب لرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -.
الدليل الثالث: أن عثمان بن مظعون - رضي الله عنه -، وكان من خيار الصحابة، لما توفي، وحضر عنده الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - سمع الصحابية الجليلة أم العلاء تقول:«شهادتي عليك أبا السائب أن الله قد أكرمك». فرد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قائلًا:«وما يدريك أن الله قد أكرمه؟»(وكان هذا تنبيهًا عظيمًا من الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لهذه الصحابية بأنها قد حكمت بحكم غيبي، وهذا لا يجوز، لأنه لا يطلع على الغيب إلا الله - عز وجل -)،ولكنها ردت قائلة:«سبحان الله يا رسول الله!! ومن يكرم الله إذا لم يكرمه؟»(أي إذا لم يكن عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - ممن يكرمهم الله فمن بقي منا حتى يكرمه الله - عز وجل -؟ وهذا رد في غاية البلاغة والفهم. ولكن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رد عليها بما هو أبلغ من ذلك حيث قال لها): «والله إني لرسول الله لا أدري ما يفعل بي غدًا»(وكان هذا نهاية الأمر وحسمه، وهنا وصلت أم العلاء إلى الحقيقة الشرعية العظيمة) فقالت: «والله لا أزكي بعده أحدًا أبدًا»(رواه البخاري).
الدليل الرابع: أن رجلًا جاء إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال له:«ما شاء الله وشئت»، فقال له - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أجعلتني لله ندًا؟ قل ما شاء الله وحده» [(رواه أحمد والبخاري في (الأدب المفرد) وغيرهما، وأورده الألباني في (السلسلة الصحيحةرقم١٣٨)]
الدليل الخامس: أن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - مروا في أثناء خروجهم إلى هوازن بعد فتح مكة على شجرة، كان المشركون يعلقون عليها سيوفهم، ظانين أنه من فعل ذلك حالفه النصر في معاركه مع العدو، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ـ أي شجرة ينوطون (أي يعلقون) بها أسلحتهم ـ فقال لهم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قلتم والذي نفسي بيده كما قال بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَل لَّنَا إِلَهَاً كَمَا لَهُمْءَالِهَةٌ}». (رواه الترمذي وصححه الألباني)، فبين - صلى الله عليه وآله وسلم - أن هذا من عمل المشركين، وأن مشابهتهم في هذا شرك بالله تبارك وتعالى، إذ طلب البركة والنصر من غير الله - عز وجل - شرك به تعالى.
الدليل السادس: سدَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - باب العرافة والكهانة وادعاء علم الغيب، وأخبر - صلى الله عليه وآله وسلم - أن مدعي ذلك كافر، وأن من صدَّق عرافًا أو كاهنًا فقد كفر بما أنزل على