للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخضر سدد خطاكم قال الخضر: وأنّى بأرضك السلام. قال له موسى: أنا موسى. قال الخضر: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم». أي أنت مبعوث إلى بني إسرائيل ومنهم، ولذلك لم تكن شريعة موسى لازمة للخضر ولجميع الناس في زمانه، وأما بعد بعثة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فإنه لا يجوز شرعًا أن يكون هناك من هو خارج عن شريعته؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - رسول للعالمين، فلا يسع الخضر ولا غيره أن يتخلف عن الإيمان به واتباعه ولذلك فلا وجود بتاتًا للخضر وأمثاله بعد بعثة الرسول محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -.

٥ - لا شك أن ما فعله الخضر فعله عن وحي حقيقي من الله وليس عن مجرد خيال أو إلهام؛ لأن قتل النفس لا يجوز بمجرد الظن، ولذلك قال الخضر: «وما فعلته عن أمري». فلم يفعل إلا عن أمر الله الصادق ووحيه القطعي. ومثل هذا الأمر والوحي القطعي قد انقطع بوفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا وحي بعده، ومن ادعى شيئًا من ذلك فقد كفر؛ لأنه بذلك خالف القرآن الذي يقول الله فيه: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (الأحزاب:٤٠).

وقال أيضًا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وختم بي النبيون فلا نبي بعدي» (رواه مسلم).

* من بيان الحقائق السالفة تتضح لنا الصورة الحقيقية لقصة الخضر - عليه السلام -، والاعتقاد الواجب فيه حسب الكتاب والسنة.

ولكن المتصوفة جعلوا من هذه القصة شيئًا مختلفًا تمامًا. فقد زعموا أن الخضر حيّ إلى أبد الدهر، وأنه صاحب شريعة وعلم باطني يختلف عن علوم الشريعة الظاهرية، وأنه وَلِيّ وليس بنبيّ، وأن علمه علم لدني موهوب له من الله بغير وحي الأنبياء، وأن هذه العلوم تنزل إلى جميع الأولياء في كل وقت قبل بعثة الرسول محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وبعد بعثته، وأن هذه العلوم أكبر وأعظم من العلوم التي مع الأنبياء، بل وعلوم الأنبياء لا تدانيها ولا تضاهيها، فكما أن الخضرـ وهو وليّ فقط في زعمهم ـ كان أعلم من موسى فكذلك الأولياء من أمة محمد هم أعلم من محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأن محمدًا عالم بالشريعة الظاهرة فقط، والولي عالم بالحقيقة الصوفية، وعلماء الحقيقة أعلم من علماء الشريعة.

وزعموا كذلك أن الخضر يلتقي بالأولياء ويعلمهم هذه الحقائق ويأخذ لهم العهود الصوفية، وأن الحقائق الصوفية تختلف عن الحقيقة المحمدية، ولذلك فلكل ولي شريعته المستقلة فما يكون معصية في الشريعة كشرب الخمر والزنا واللواط، قد يكون حقيقة صوفية وقربة إلى الله حسب العلم الباطني، وكذلك في أمر العقائد ومسائل الإيمان فلكل وليّ كشفه الخاص، وعلمه الخاص اللدني الذي قد يختلف عن الوحي النبوي.

وهكذا جعل المتصوفة من قصة الخضر بابًا عظيمًا لإدخال كل أنواع الخرافات والزندقة والجهل والإسفاف، بل منهم من زعم أن الخضر لا يصلي لأنه على شريعة خاصة!!.

* الصواب الذي عليه المحققون أن الخضر ميت وأنه لم يدرك الإسلام، والأدلة على ذلك:١ - لو كان موجودًا في زمان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لوجب عليه أن يؤمن به ويجاهد معه كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره، ولكان يكون في مكة والمدينة ولكان يكون حضوره مع الصحابة للجهاد معهم وإعانتهم على الدين أولى به من حضوره عند قوم كفار ليرفع لهم سفينتهم ولم يكن مختفيًا عن خير أمة أخرجت للناس وهو قد كان بين المشركين ولم يحتجب عنهم.

٢ - ليس للمسلمين بالخضر حاجة في دينهم ودنياهم، فإن دينهم أخذوه عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - النبي الأمي الذي علمهم الكتاب والحكمة، وقال لهم نبيهم «لو كان موسى حيًا ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم» (رواه الإمام أحمد وإسناده حسن) وعيسى بن مريم - عليه السلام - إذا نزل من السماء إنما يحكم في المسلمين بكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأي حاجة لهم مع هذا إلى الخضر وغيره.

٣ - إذا كان الخضر حيًا دائمًا فكيف لم يذكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك قط، ولا خلفاؤه الراشدون؟!!

٤ - إن قال قائل: إن الخضر نقيب الأولياء، فيقال له: من ولاه النقابة وأفضل الأولياء أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وليس فيهم الخضر، وغاية ما يحكى في هذا الباب من الحكايات بعضها كذب وبعضها مبني على ظن رجال مثل شخص رأى رجلًا ظن أنه الخضر، وقال

<<  <   >  >>