وتجعلني بصيرًا». ولكنه لم يفعل، لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم، ويعرف أنه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة، يذكر فيها اسم المتَوسَّل به، بل لابد أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة، وطلب الدعاء منه له.
ثانيًا: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعده بالدعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له، وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن شئتَ دعوتُ، وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك». وهذا الأمر الثاني هو ما أشار إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الذي رواه عن ربه ـ أنه قال:«إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه ـ أي عينيهـ فصبر، عوضته منهما الجنة». (رواه البخاري)
ثالثًا: إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله: (فادْعُ) فهذا يقتضي أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا له؛ لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - خير من وفَّى بما وعد، وقد وعده بالدعاء له إن شاء كما سبق، فقد شاء الدعاء وأصر عليه، فإذن لا بد أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا له، فثبت المراد.
وقد وجَّهَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الأعمى بدافع من رحمته، وبحرص منه أن يستجيب الله تعالى دعاءه فيه، وجهه إلى النوع الثاني من التوسل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، ليجمع له الخير من أطرافه، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو لنفسه وهذه الأعمال طاعة لله ـ يقدمها بين يدي دعاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - له، وهي تدخل في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ}.
وهكذا فلم يكتف الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بدعائه للأعمى الذي وعده به، بل شغله بأعمال فيها طاعة لله ـ وقُربة إليه، ليكون الأمر مكتملًا من جميع نواحيه، وأقرب إلى القبول والرضا من الله ـ، وعلى هذا، فالحادثة كلها تدور حول الدعاء ـ كما هو ظاهر ـ وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون.
رابعًا: أن في الدعاء الذي علمه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إياه أن يقول:«اللهم فشَفّعْهُ فِيّ» وهذا يستحيل حمله على التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم -، أو جاهه، أو حقه، إذ أن المعنى: اللهم اقبل شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - فِيّ، أي اقبل دعائه في أن ترد عليَّ بصري، والشفاعة لغةً الدعاء، وهو المراد