بالشفاعة الثابتة له - صلى الله عليه وآله وسلم - ولغيره من الأنبياء والصالحين يوم القيامة، وهذا يبين أن الشفاعة أخص من الدعاء، إذ لا تكون إلا إذا كان هناك اثنان يطلبان أمرًا، فيكون أحدهما شفيعًا للآخر، بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره، قال في (لسان العرب): (الشفاعة كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره، والشافع الطالب لغيره، يتشفع به إلى المطلوب، يقال تشفعت بفلان إلى فلان، فشفعني فيه).فثبت بهذا الوجه أيضًا أن توسل الأعمى إنما كان بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - لا بذاته.
خامسًا: إن مما علم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الأعمى أن يقوله:«وشفعني فيه» أي اقبل شفاعتي (أي دعائي) في أن تقبل شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - (أي دعاءه) في أن ترد عليَّ بصري. هذا الذي لا يمكن أن يفهم من هذه الجملة سواه.
ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها ولا يتعرضون لها من قريب أو من بعيد؛ لأنها تنسف بنيانهم من القواعد، وتجتثه من الجذور، وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه. ذلك أن شفاعة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في الأعمى مفهومة، ولكن شفاعة الأعمى في الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كيف تكون؟ لا جواب لذلك عندهم البتة.
ومما يدل على شعورهم بأن هذه الجملة تبطل تأويلاتهم أنك لا ترى واحدًا منهم يستعملها، فيقول في دعائه مثلًا: اللهم شفع فيَّ نبيك، وشفعني فيه.
سادسًا: إن هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ودعائه المستجاب، وما أظهره الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنه بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره، ولذلك رواه المصنفون في (دلائل النبوة) كالبيهقي وغيره، فهذا يدل على أن السر في شفاء الأعمى إنما هو دعاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.
كما أنه لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقدره وحقه، كما يفهم عامة المتأخرين، لكان من المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل ويضمون إليه أحيانًا جاه جميع الأنبياء المرسلين، وكل الأولياء والشهداء والصالحين، وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة، والإنس