للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه؛ فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين)) (١).

فما فضل من أوقاتك فلك فيه أربع حالات:

الحال الأولى وهي الأفضل: أن تصرفه في طلب العلم النافع في الدين، دون الفضول الذي أكب الناس عليه وسموه علمًا.

والعلم النافع هو: ما يزيد في خوفك من الله تعالى، ويزيد في بصيرتك بعيوب نفسك، ويزيد في معرفتك بعبادة ربك، ويقلل من رغبتك في الدنيا، ويزيد في رغبتك في الآخرة، ويفتح بصيرتك بآفات أعمالك حتى تحترز منها، ويطلعك على مكايد الشيطان وغروره، وكيفية تلبيسه على علماء السوء حتى عرضهم لمقت الله تعالى وسخطه، حيث أكلوا الدنيا بالدين، واتخذوا العلم ذريعة ووسيلة إلى أخذ أموال السلاطين، وأكل أموال الأوقاف واليتامى والمساكين، وصرفوا همتهم طول نهارهم إلى طلب الجاه والمنزلة في قلوب الخلق، واضطرهم ذلك إلى المراءاة والمماراة والمنافسة والمباهاة.

فإن دعتك نفسك إلى ترك ما ذكرناه من الأوراد والأذكار استثقالاً لذلك؛ فاعلم أن الشيطان اللعين قد دس في قلبك الداء الدفين، وهو حب المال والجاه، فإياك أن تغتر به فتكون ضحكة له فيهلكك ثم يسخر منك.

فإن جربت نفسك مدة في الأوراد والعبادات فكانت لا تستثقلها كسلًا عنها، لكن ظهرت رغبتك في تحصيل العلم النافع ولم ترد به إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة، فذلك أفضل من نوافل العبادات مهما صحت النية، ولكن الشأن في صحة النية، فإن لم تصح النية فهو معدن غرور الجهال، ومزلة أقدام الرجال.


(١) رواه الإمام أحمد (٥/ ٢٦٨)، وأبو داود (٥٥٨) من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، وسكت عنه أبو داود رحمه الله، ووافقه الحافظ المنذري في "ترغيبه" وقد قال في مقدمة الكتاب: ((كل حديث عزوته إلى أبي داود وسكتُّ عنه فهو كما ذكر أبو داود، ولا ينزل عن درجة الحسن، وقد يكون على شرط الشيخين أو أحدهما)) اهـ، وحسنه الألباني. ...

<<  <   >  >>