للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المحمدي وعلى الأمانة الفائقة في التبليغ وعلى أَنَّ الإسلام دين إلهي وليس من عند بشر، إذ لو كان من عند بشر لما حرص على أَنْ يظهر الأنبياء بهذا المظهر الكريم وبهذه المنازل العالية، وليس في إسناد خصوصية لعيسى أو لغيره ما يعود بالنقص على إخوانه الأنبياء ولا ما يثبت تفضيله عليهم، إذ من المسلم أنه قد يكون في المفضول من الخصائص ما ليس للأفضل ولا يؤثر هذا في أفضليته، لأن له من الخصائص ما يؤهله لاستحقاق الأفضلية، هذا إلى أَنَّ المتكلم غير داخل في عموم كلامه كما قال جمع من العلماء، فيكون نبينا محمد - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ - مِمَّنْ لم يمسه الشيطان أيضا كما رُوِيَ ذلك في حديث، وَأَيًّا ما كان الأمر فليس في الحديث ما يدل على أفضلية عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - على نبينا - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أما كون بعض القسس المسيحيين «اتكأوا على هذا الحديث في إثبات عقيدة من عقائدهم الزائفة» كما قال المؤلف، فلا يعود على الحديث بالبطلان أو الرَدِّ كما زعم، والتبعة إنما هي على من حرف الحديث عن مواضعه وحمله على غير محامله الصحيحة.

ب) هذا الحديث صحيح رواية ودراية وليس في معناه ما يدعو إلى رده عند المحققين لأنه لا يخالف عقلاً ولا نقلاً، وكل ما هنالك أَنَّ بعض الناس تخيل ذلك فَرَدَّ الحديث أو توقف فيه، فمن هؤلاء القاضي عبد الجبار المعتزلي والزمخشري، وَإِنْ كان الثاني تردد في صحة الحديث وقال: إِنْ صح فالمراد، أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إِلاَّ مريم وابنها فإنهما كانا معصومين وكذلك كل من كان في صفتهما كقوله تعالى: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (١). واستهلاله صَارِخًا من مَسِّهِ تخيل وتصوير لطمعه فيه كأنه يَمَسُّهُ ويضرب بيده عليه، وأما حقيقة النخس والمس كما يتوهم أهل الحشو فكلا، ولو سَلَّطَ إبليس على الناس بنخسهم لامتلأت الدنيا صُرَاخًا وعياطا» فها أنت ذا ترى أَنَّ الزمخشري لم يقطع بعدم صحة الحديث، والأكثرون من العلماء على أَنَّ الحديث على ظاهره


(١) [سورة ص، الآيتان: ٨٢، ٨٣].