للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغمزهم ولمزهم ورميهم بالجمود لن يُقَلِّلَ من أقدارهم ولن ترفع من شأنه، بل هي عند الباحثين والعَالِمِينَ مِمَّا يزري بالنقد ويلحقه بالشتيمة والسباب، وإنَّ ما وضعه المُحَدِّثُونَ من قواعد لنقد الراوي والمروي هي أدق وأرقى ما وصل إليه علم النقد في القديم والحديث، والمُتَأَخِّرُونَ لم يأتوا في ذلك بأمر جديد ذي خطر، اللَّهُمَّ إِلاَّ في الاستفادة بما جَدَّ من المعارف النفسية والتوسُّع في التطبيق، ولو أنصف المؤلف لعقد مقارنة بين قواعد المُحَدِّثِينَ وقواعد غيرهم مِمَّنْ يرتضيهم، ثم خلص من ذلك إلى نتيجة صادقة، أمَّا وقد رمى بها قولة مُجْمَلَة من غير بُرهان فبحسبنا في الرَدِّ عليه هذا الإجمال، وعندما أتعرَّض لمَبْحَثَيْ العدالة والضبط سأفصل فيهما القول، كي يتَّضح أنَّ قواعد المُحَدِّثِينَ ليست جامدة ولا قاصرة.

عِنَايَةُ المُحَدِّثِينَ بِنَقْدِ السَّنَدِ وَالمَتْنِ:

لا أدري كيف سَوَّلَتْ للمؤلف نفسه أنْ يزعم أنَّ المُحَدِّثِينَ حصروا عنايتهم في السند دون المتن الخ؟! وكيف يتَّفق هذا وما ذهبوا إليه من الحُكْمِ على متن الحديث بالشذوذ والنكارة والاضطراب والتعليل والوضع والاختلاق، وما وضعوه من أمارات يُسْتَدَلُّ بها على الحديث بالوضع؟ لقد جعلوا من إمارات الموضوع ركاكة اللفظ بحيث يشهد الخبير بالعربية أنَّ هذا لن يصدر من فصيح فضلاً عن أفصح الفصحاء، وركاكة المعنى كَأَنْ يكون مشتملاً على مُحَالٍ، واشتمال الحديث على مجازفات ومبالغات لا تصدر من عاقل حكيم، والمخالفة لِلْحِسِّ والمشاهدة، والمخالفة لصريح القرآن أو السُنَّة المتواترة أو المُسَلَّمَةِ أو الإجماع مع تَعَذُّرِ التأويل المقبول في كل ذلك، أو يتضمن الحديث أمراً مُسْتَحْدَثاً لم يوجد في العهد النبوي أو إلى غير ذلك مِمَّا أفاضت فيه كتب تاريخ الوضع في الحديث (١) قال الربيع بن


(١) لقد ذكرت في كتابي " الوضع في الحديث " من أمارات الوضع أربع عشرة أمارة وجُلُّها مِمَّا يرجع إلى المتن، وسيطبع إن شاء الله.