للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يخفى على باحث أن ابن أبي الحديد والإسكافي كلاهما شيعي متعنت، وكلاهما في مثل هذا لا يوثق به، ومعاوية - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - أفضل من أن يحمل الصحابة على وضع الأحاديث، والصحابة أكرم على أنفسهم من أن يكذبوا على رسول الله، وإذا كان المؤلف بصنيعه هذا يتملق الشيعة فليرح نفسه فما هُمْ مِمَّنْ يخدعون بهذا التملق الرخيص.

وأما ما ذكره من قدوم أبي هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة فلا نعلمه ولا نكاد نصدقه، وقد ذكر ابن عبد البر: أنه لما عاد من البحرين في عهد عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ورغب إليه عمر أن يعود وَالِيًا عليها مرة أخرى فأبى، لم يزل بالمدينة حتى مات، وهذا هو الحق (١).

أما فضائل عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ - ورَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فهي كثيرة ومشهورة وقد روى أبو هريرة في فضائله أحاديث كثيرة مِمَّا يبعد غاية البعد مناصرته لمعاوية ومعاداته لِعَلِيٍّ، ويلقم المؤلف حَجَرًا.

وفي " الصحيحين " وغيرهما من ذلك شيء كثير، وفضائل سيدنا عَلِيٍّ أكثر من أن تحصى، وقد ألفت في ذلك كتب مستقلة ككتاب " الخصائص " للإمام النسائي، ولم يثبت في حق صحابي من الأحاديث الصحاح والحسان مثل ما ثبت في حقه، وهذا مِمَّا ندين الله تعالى عليه إرضاء لديننا وضمائرنا، واتباعًا لما التزمناه من قواعد البحث الحر النزيه، لا خوفًا من أحد ذي جاه ولا تزلفًا لأحد لأجل دنياه.

خِيَانَتُهُ فِي النَّقْلِ:

في [ص ١٩٢] ذكر سيرته في ولايته، وافترى على سيدنا أبي هريرة وَحَرَّفَ الكلم عن مواضعه، وخان الأمانة في النقل، وَقَدْ قَدَّمْتُ الرَدِّ عن ذلك فيما سبق مُسْهِبًا فكن على ذكر منه.

في [ص ١٩٣] نقل كلام السيد محمد رشيد رضا في أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وكلام السيد - رَحِمَهُ اللهُ - لا يخلو من هِنَاتٍ لا نوافقه عليها، إِلاَّ أنه مهما كانت لنا عليه من مؤاخذات فشتان ما بين


(١) " الاستيعاب ": ٤/ ٢٠٩، على هامش " الإصابة ".