للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَبُو هُرَيْرَةَ حَافِظٌ وَفَقِيهٌ:

والحنفية محجوجون في هذا، فقد نقل عن كبار الصحابة أنهم تركوا القياس بخبر الواحد، والتفرقة بين الراوي الفقيه وغيره أمر مستحدث والذي عليه جماهير العلماء سلفًا وخلفًا أن خبر الواحد إذا ثبت مقدم على القياس، وأيضًا فكون أبي هريرة غير فقيه غير مُسَلَّمٍ لهم، فمعظم الصحابة ولا سيما المعروفون بالرواية كانوا فقهاء علماء، وقد عَدَّهُ ابن حزم في فقهاء الصحابة، ونقل عنه الحافظ ابن حجر أنه في الطبقة الثانية من أهل الفتيا مع أبي بكر وعثمان وأبي موسى ومعاذ وسعد بن أبي وقاص وغيرهم (١)، وحديث أبي هريرة في المصراة صحيح غاية الصحة، وليس أدل على هذا من أن ابن مسعود - وهو مِمَّنْ قال الحنفية أنه فقيه - كان يفتي بوفق حديث أبي هريرة، ولهذا أورد البخاري بعد حديث أبي هريرة في المصراة حديث ابن مسعود وهو موقوف عليه، قال: «مَنْ اِشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا» وهذا من فقه البخاري وَبُعْدِ نظره، وَمِمَّا ينبغي أن يعلم أن رَدَّ رواية الراوي غير الفقيه إذا خالفت القياس الجلي ليس أمرًا مُجْمَعًا عليه من الحنفية، وكذلك كون أبي هريرة ليس فيها مقالة لبعضهم، أما المُحَقِّقُونَ منهم فعلى خلاف هذا، وإليك ما قاله صاحب " عقود الجمان في مناقب أبي حنيفة النعمان " (٢) قال في أثناء الرَدِّ على من زعم أن الإمام أبا حنيفة خالف بعض الأحاديث الثابتة عن رسول الله، وسرد وجوه الاعتذار عن ذلك.

«الرَّابِعُ كَوْنُ رَاوِي الحَدِيْثِ غَيْرُ فَقِيْهٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ عِيْسَىْ بْنُ أَبَانٍ، وَتَابَعَهُ كَثِيرٌ مِنَ المُتَأَخِّرِيَنَ، وَرَدُّوا بِذَلِكَ حَدِيثَ أُبَيِ هُرَيْرَةَ فِي المُصَرَّاةِ، وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ الكَرْخِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ: لَيْسَ فِقْهَ الرَّاوِي شَرْطاً لِتَقْدِيمِ الخَبَرِ عَلَى القِيَاسِ، بَلْ يُقْبَلُ خَبَرُ كُلِّ عَدْلٍ ظَابِطٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ أَوْ


(١) " الإصابة في تمييز الصحابة ": ١/ ١٢.
(٢) كتاب مخطوط بمكتبة الحرم المكي الشريف، وهو كتاب قيِّمٌ جداً.