ولو أن بعض الأطباء المسلمين العباقرة اتجه إلى الطب النبوي كما ثبت في الصحاح، وبحث فيه بإيمان وصبر وَجَلَدٍ فأنا كفيل أنه سيخلص للبشرِيَّةَ من ذلك بخير كثير، وسيظهر لنا الكثير من أسرار الإعجاز في هذه الأحاديث، فهل من مستجيب؟ نعم إن بعض الأطباء المؤمنين اتجه إلى هذا ونشروا فيه مقالات، ولكني أريد بَحْثًا مُسْتَفِيضًا في سفر كبير يكون مرجعًا في هذا الموضوع الجليل.
قال: وأخرج الشيخان عن أبي هريرة: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ - أقيم للصلاة - بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ» وقال العلماء المُحَقِّقُونَ في شرح هذا الحديث: لِئَلاَّ يسمع فيضطر أنْ يشهد له بذلك يوم القيامة، يقصد بذلك التهكم بهم.
ولا أدري وجه استشكاله لهذا الحديث؟ وهو مرفوع إلى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو من الغيبيات، وإنما ينكر هذا الحديث وأمثاله من لا يؤمن بعالم الجن، وحكم من لا يؤمن بهم معروف وهو الكفر، لإنكاره ما ثبت بالقرآن، والحديث سيق مساق التمثيل والمجاز فهو تصوير لشدة نفوره وإجفاله كراهة سماع الآذان، ومثل هذا التمثيل معهود في كلام العرب، ولو حمل الحديث على حقيقته فلا استحالة أيضًا، فطبائع الجن وأنهم يأكلون ويشربون لا تأبى ذلك، وإبليس وأعوانه يروننا ولا نراهم كما قال الله تعالى:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ}(١).
وقد يطلع الله بعض أنبيائه على بعض أحوالهم وتصرفاتهم لحكم بالغة، وهذا من الأمور الغيبية التي إذا ثبتت عن معصوم وجب التصديق بها، ولا أدري كيف غاب عن أَبِي رَيَّةَ حكم من يتهكم بأحاديث رسول الله؟!.