للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الكلام من معاوية له وزنه فهو رجل داهية لا تخفى عليه الرجال ولا دسائسهم، ومعاوية لا يخشى كعباً ولا يعقل أنْ يَتَمَلَّقَهُ، ولو يعلم فيه أكثر من ذلك لقاله، وقد حسن العلماء الظن بكعب فحملوا هذه الكلمة على محل حسن، قال ابْنُ حِبَّانَ في " الثِّقَاتِ ": «أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنَّهُ يُخْطِئُ أَحْيَانَا فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ كَانَ كَذَّابًا» وقال ابن الجوزي: «الْمَعْنَى أَنَّ بَعْضَ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ كَعْبٌ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَكُونُ كَذِبًا لاَ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، وَإِلاَّ فَقَدْ كَانَ كَعْبٌ مِنْ أَخْيَارِ الأَحْبَارِ» ومن قبل ذلك قال ابن عباس في كعب «بَدَلَ مَنْ قَبْلَهُ فَوَقَعَ فِي الْكَذِبِ» (١)، ولا يعزب عن بالنا أن ابن الجوزي صاحب ملكة في النقد وكان حربا على الوَضَّاعِينَ وكتابه " الموضوعات " أشهر الكتب وأحفلها وإنْ أخذوا عليه فيه أنه يتساهل في الحُكْم بالوضع أحياناً.

فلو أنه كان يرى في كعب ما رأى المؤلف وأمثاله من أنه كان وَضَّاعاً دَسَّاساً لما تَرَدَّدَ في تجريحه، ولما حمل كلمة معاوية على هذا المحمل الحسن ولا سيما وقد كان لسانه حاداً على الوَضَّاعِينَ كما يَتَبَيَّن ذلك جَلِيًّا لمن راجع مقدمة كتابه المذكور، فمن ثم يَتَبَيَّنُ لنا بعد ما سمعنا من مقالة العلماء في كعب أنه لم يكن وَضَّاعاً ولا مُتَعَمِّداً للكذب، وأنه إنْ كانت وقعت في بعض مروياته إسرائيليات مكذوبة أو خرافات، فذلك إنما يرجع إلى من نقل عنهم من أهل الكتاب السابقين الذين بَدَّلُوا وَحَرَّفُوا، وإلى بعض الكتب القديمة التي ملئت بالخرافات والإسرائيليات، ولو أنه تَحَرَّى الحق والصدق وَمَيَّزَ بين الغث والسمين من هذه المنقولات لكان أولى به وأجمل.

طعنه في وهب بن منبه والرَدِّ عليه:

وأما وهب بن منبه فهو من خيار التابعين وثقاتهم، ولم نعلم أحداً طعن فيه بأنه وَضَّاعٌ وَدَسَّاسٌ إِلاَّ المؤلف.


(١) " مقالات الكوثري ": ص ٣١.