للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيكون أبو هريرة بريء من تبعة رفعه، وأنه لم يقل: «سمعت رسول الله ... ولا أخذ بيدي ... » إلخ وإنما الواهم توهم الرفع فرفعه وأكده بهذا، ولعلك أيها القارئ المُتَثَبِّتُ

تبتسم وتطيل الابتسام كما ابتسمتُ أنا وأطلتُ الابتسام من تحدي أَبِي رَيَّةَ الصارخ لعلماء الحديث في مصر بل والعالم الإسلامي قاطبة - أن ينتشلوا شيخهم أبا هريرة من الهوة التي سقط فيها فقد ظهر لك وجه الحق، وأنه لا هوة ولا سقوط، وأنه بَنَى مزاعمه على شَفَا جُرْفٍ هَارٍ فانهار به في نار جهنم وبئس المصير.

وإن من يقرأ كلام أَبِي رَيَّةَ لَيُخَيَّلُ إليه أنه في زهوه قد غزا الأجواء وفتح أبواب السماء، وهذا يدل على الجهل الممزوج بالغرور المتطاول، وليس أضر على الباحث من هاتين الصفتين: الجهل والغرور.

طَعْنُهُ فِي حَدِيثٍ فِي " صَحِيحِ البُخَارِيِّ ":

في [ص ١٧٦] قال: وروى البخاري عن أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال (١):

«مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، [وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ]، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».

قال: ومن له حاسة في شم الحديث يجد في هذا الحديث رائحة إسرائيلية، ثم أتى في الحاشية فيقول: تفرد " البخاري " بإخراج هذا الحديث دون " مسلم " وسائر أصحاب النَّبِيِّ (كذا) و" مسند أحمد "، وقد طعن الأئمة في هذا الحديث، وبعد ذكر ما اعتبره طعنًا قال: ويبدو لي أنَّ أستاذ


(١) لَقَدْ أَخْطَأَ المُؤَلِّفُ فِي جَعْلِهِ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ مُتَمَرِّسًا فِي الفَنِّ لَقَالَ كَمَا فِي " صَحِيحِ البُخَارِيِّ ": «إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى» إلخ ... لأَنَّهُ مِنَ الأَحَادِيثِ القُدْسِيَّةِ وَلَوْ كَانَ يَنْقُلُ عَنْ تَعَقُّلٍ لأَدْرَكَ أَنَّ الكَلاَمَ لاَ يَصِحُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى النَّبِيِّ لأَنَّ المَعَانِي التِي فِيهِ لاَ يَصِحُّ أنْ تُسْنَدَ إِلاَّ إِلَى اللهِ تَعَالَى.