للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي هريرة في هذا الحديث هو وهب بن منبه فقد وقع في " الحِلْيَةِ " من ترجمة هذا الكاهن (وهب): وإني لأجد في التوراة أن الله تعالى يقول: «مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ».

والجواب:

أن هذا الحديث خرجه البخاري في " صحيحه " (١) فهو صحيح، ولا يخل بصحته أن كان بعض رجاله قد انتقدوا وهو خالد بن مخلد شيخ البخارى وشريك بن عبد الله، لأن الإنسان أعرف بشيوخه من غيره، وإذا تعارض قول البخاري في رجل وقول غيره فالقول ما قاله البخاري فقد كان نسيج وحده في معرفة علل الحديث وتاريخ الرجال حتى لقد قَبَّلَهُ الإمام مسلم بين عينيه لما كشف له عن علة خفية في حديث ولقبه بأستاذ الأستاذين فلو كان في رواة الحديث ما يخل بالصحة لما أخرجه البخاري، والحديث وإن كان لم يخرجه مسلم في " صحيحه " ولا أحمد في " مسنده " قد خرجه غيرهما من أئمة الحديث، فقد خرجه البيهقي في " الزهد " وأبو يعلى والبزار والطبراني، بل خرجه الإمام أحمد في " كتاب الزهد "؟ ولم ينفرد بالحديث أبو هريرة، فقد رواه غيره من الصحابة منهم عائشة وعلي وأبو أمامة وابن عباس وأنس وحذيفة ومعاذ بن جبل ولم يتفرد به رواته فقد روي من طرق أخرى كثيرة وإن كانت لا تخلو من ضعف ولكنها يقوي بعضها بعضًا، وقد صدع بهذا الحافظ الحُجَّةُ الثبت ابن حجر وهو كما وصفه المؤلف أمير المؤمنين في الحديث قال الحافظ في " الفتح " (٢) «وَإِطْلاَق أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ هَذَا الْمَتْنُ إِلاَّ بِهَذَا الإِسْنَادِ مَرْدُودٌ» ... إلى أن قال: «وَلَكِنْ لِلْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى يَدُلُّ مَجْمُوعُهَا عَلَى أَنْ لَهُ أَصْلاً» ثم شرع يسرد هذه الطرق ومن خرجها من أصحاب الكتب، ومن رويت عنه من الصحابة، وهكذا يَتَبَيَّنُ لنا أن الحديث لا مطعن يعتد به في سنده


(١) «كتاب الرقاق»، باب التواضع، انظر " فتح الباري ": ١١/ ٢٨٦.
(٢) ١١/ ٢٨٦.