للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن الحكمة كانت تقتضي في ذلك الوقت المسارعة إلى جمع القرآن في مصحف واحد خشية أن يضيع شيء منه، أو من أصله المكتوب بموت جمهور القُرَّاءِ، أما الأحاديث فلم تكن الحاجة ماسة إلى جمعها حينئذ ولا سيما أَنَّ الأُمَّةَ لم تكلف بحفظ ألفاظها والتعبد بها كما كلفت بالقرآن، وأن المعول عليه فيها المعنى، لا اللفظ، وأنهم نُهُوا عن كتابتها حتى لا تختلط بالقرآن، فالصحابة لم يفعلوا إِلاَّ أنهم قدموا الأهم على المهم والأصل على الفرع فلما دعت الحاجة إلى جمع الأحاديث والمحافظة عليها من الضياع والتباس الحق بالباطل أمر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز بجمعها بصفة رسمية عامة فكان ذلك بدأ التدوين العام، أما التدوين الخاص فقد تحقق فعلاً من قبل فقد كان يكتب السُنَّةَ بعض الصحابة والتابعين، ولعل مِمَّا يلقم المؤلف حَجَرًا، ويجعله يفض بريقه، ويرد عليه فِرْيَتَهُ من أن الصحابة لم يهتموا بالأحاديث اهتمامهم بالقرآن، ولم يدونوها كما دونوا القرآن ما رواه البيهقي في " المدخل " عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ السُّنَنَ فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَهَا فَطَفِقَ عُمَرُ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهَا شَهْرًا ثُمَّ أَصْبَحَ يَوْمًا وَقَدْ عَزَمَ اللَّهُ لَهُ قَالَ: «إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ السُّنَنَ، وَإِنِّي ذَكَرْتُ قَوْمًا كَانُوا قَبْلَكُمْ كَتَبُوا كُتُبًا فَأَكَبُّوا عَلَيْهَا وَتَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَلْبَسُ كِتَابَ اللَّهِ بِشَيْءٍ أَبَدًا» (١).

فهل بعد هذا النص الصريح يزعم زاعم أن الصحابة لم يكونوا يعنون بأمر جمع الحديث ولا أن يكون لهم فيه كتاب محفوظ؟!!!

زَعْمُهُ أَنَّ التَدْوِينَ يَلْزَمُ مِنْهُ التَوَاتُرُ:

مِمَّا لا يقضي منه العجب قوله في [ص ٢١٧]: «ولو أن النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصحابته كانوا قد عنوا بتدوين الحديث كما عنوا بتدوين القرآن لجاءت أحاديث الرسول كلها متواترة في لفظها ومعناها ليس شيء


(١) انظر " أَعْلاَمُ المُحَدِّثِينَ " للمؤلف، بحث «تَدْوِينُ السُنَّةِ».