للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القلبي والملكة التي تحصل عند المُحَدِّثِ، ويُمَيِّزَ بها الصحيح والسقيم، والمقبول والمردود.

خلط أَبِي رَيَّةَ بين الوضع والإدراج:

في [ص ١٠٤] ذكر الوضع بالإدراج، وجعل المُدْرَجَ من قبيل الموضوع. وإطلاق الموضوع على المُدْرَجِ تساهل، نعم إنَّ بعض أئمة الحديث كابن الصلاح اعتبر الإدراج عن طريق الغلط - بظن ما ليس بحديث حديثاً - ملحقاً بالوضع وشبيهاً به، والأكثرون على عَدِّهِ إدراجاً فحسب، وكان على المؤلف أنْ يُمَيِّزَ بين الإدراج الذي لا لبس فيه ولا إشكال ولا إيهام، والإدراج الذي فيه إيهام أنَّ ما ليس من الحديث هو منه، فالإدراج الذي يكون لتفسير كلمة غامضة أو توضيح اسم مُبْهَمٍ في السند، والإدراج الذي يكون معه من القرائن اللفظية أو الحالية ما يدل على أنه مُدْرَجٌ من كلام الراوي أمره سهل هَيِّنٌ، ولا يخل بعدالة الراوي، وهو أبعد ما يكون عن الوضع، وأما الإدراج الذي يكون فيه إيهام ولبس وهو الذي لا تصحبه قرائن فهو حرام كله إذا كان متعمداً، وَيُخِلُّ بعدالة الراوي، ويلحقه بِالكَذَّابِينَ، قال السمعاني: «مَنْ تَعَمَّدَ الإِدْرَاجَ فَهُوَ سَاقِطُ الْعَدَالَةِ، وَمِمَّنْ يُحَرِّفُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْكَذَّابِينَ» وهكذا يَتَبَيَّن لنا جَلِيًّا تساهل المؤلف في عَدِّ الإدراج كله وضعاً، وعلى قاعدة المؤلف يكون كثير من أئمة الحديث الذين يدرجون للتفسير أو توضيح المُبْهَم موصوفين بالوضع، فالزُّهْرِي لما روى حديث «بدء الوحي» في " الصحيحين " وفسر كلمة «التحنث» بالتعبد يكون وَضَّاعاً، وراوي حديث النسائي «أَنَا زَعِيمٌ» - والزعيم الحَمِيلُ - يكون وَضَّاعاً، وأبو هريرة لما روى عن النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ أَجْرَانِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْحَجُّ، وَبِرُّ أُمِّي لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ» وهو في الصحيح يكون قوله: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ .... » إلخ.