للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَنَّ المس حقيقة وَأَنَّ الشيطان حاول ذلك مع مريم وابنها فلم يمكن منه استجابة لدعاء أمها لها، إذ لا يلزم من وقوع المس وقوع الإغواء، وذلك بالنسبة إلى الأنبياء ومن على شاكلتهم من المخلصين الأصفياء وعلى هذا فلا يكون الحديث كما تَوَهَّمَ مُخَالِفًا لقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (١). وقوله: {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (٢).

ولا يلزم أَنْ تمتلئ الدنيا صُرَاخًا وعياطا كما تَوَهَّمَ الزمخشري، لأن الحديث إنما جعل ذلك عند الولادة فحسب، وأما بعدها فلا، ولو حكمنا المشاهدة فما من مولود إِلاَّ ويستهل صَارِخَا أَوْ بَاكِيًا، وإنكار ذلك مكابرة.

الزمخشري لا يُعَوَّلُ على كلامه في الطعن في الأحاديث:

ومِمَّا ينبغي أَنْ يعلم أَنَّ الزمخشري - مع كونه إمامًا في التفسير - لا يرجع إليه في معرفة الصحيح من غيره، إذ هو ليس من رجال الحديث العارفين لِعِلَلِهِ، المُبْصِرِينَ برجاله، وكم ذكر في " كَشَّافِهِ " من موضوعات في قصص الأنبياء وغير القصص.

ولو أَنَّ المؤلف كان أمينًا في البحث لما عرض الأمر من جهة واحدة، وكان عليه أَنْ يعرض لرأي المُصَحِّحِينَ للحديث ووجهة نظرهم ويناقشهم وهو بعد ذلك حُرٌّ في أَنْ يختار ما يشاء، ولكن مسلك المؤلف مسلك المتحيز غير المُنْصِف الذي ينظر إلى الشيء بعين واحدة فمن ثم كثرت هفواته وسقطاته.

وإليك ما قاله العلماء المُحَقِّقُونَ:

قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (٣) بعد أَنْ ذكر اعتراض الزمخشري وَبَيَّنَ أنه غير مُسَلَّمٍ: «والذي يقتضيه لفظ الحديث لا إشكال في معناه، ولا مخالفة لما ثبت من عصمة الأنبياء، بل ظاهر الخبر أَنَّ إبليس ممكن من مَسِّ كل مولود عند ولادته، ولكن من كان من عباد الله المخلصين لم


(١) [سورة الحجر، الآية: ٤٢]، [سورة الإسراء، الآية: ٦٥].
(٢) [سورة الحجر، الآية: ٤٠]، [سورة ص، الآية: ٨٣].
(٣) " فتح الباري ": ٨/ ١٧٠.